من سحب الألوية إلى إعادة البوارج: مآزق دولة الاحتلال
يمكن أن تتعدد القراءات السياسية أو العسكرية أو اللوجستية أو حتى الاقتصادية للقرار الأخير الذي اتخذه جيش الاحتلال الإسرائيلي وقضى بتسريح 5 ألوية قتالية وسحبها من ميادين المعارك في قطاع غزة، حيث يتردد في وسائل الإعلام الإسرائيلية أن قرارات تسريح مماثلة سوف تشمل قوات أخرى خلال فترة وشيكة. ومن المنطقي ربط هذه الواقعة بإجراء سابق تضمن سحب مقاتلي لواء «غولاني»، وكان تطوراً دراماتيكياً اتسم بدلالات خاصة استراتيجية ورمزية وليست عسكرية فقط، بالنظر إلى الصيت النخبوي لهذا اللواء.
واختلاف القراءات لا يحجب حقيقة أن قرارات كهذه تدخل مباشرة في سياق تطورات اكتنفت الأيام القليلة الماضية من حروب الإبادة والتطهير العرقي والتدمير الشامل والفظائع ضد قطاع غزة. وإذ كانت تلك التطورات تتعدد طبقاً لمجريات القتال اليومي، وتتحكم المقاومة الفلسطينية في قسط كبير من تفاصيلها، فإن شطراً غير قليل منها إنما يدور في مستويات سياسية وعسكرية وأمنية داخل دولة الاحتلال، وكذلك على أصعدة الحراك الاحتجاجي المتنامي الذي تتولاه العائلات وأسر الرهائن.
على سبيل المثال الأول، ليس مدعاة سخرية فقط ما تناقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية من أن رئيس أركان جيش الاحتلال يتفادى حضور جلسات الحكومة تخوفاً من إيقاعه في «فخ» الإهانات والانتقادات اللاذعة، خاصة من جانب الوزراء الأشد تطرفاً في ائتلاف بنيامين نتنياهو الحاكم. والتراشق اللفظي بين الساسة وكبار ضباط الجيش ليس جديداً على المشهد العام في دولة الاحتلال، ولكنه هذه المرة بات يتخذ وجهة من العنف اللفظي والاتهامات المتبادلة لم يسبق لها مثيل أولاً. كما أنها ثانياً لا تنقل إلى العلن الخلافات الداخلية في الحكومة الإسرائيلية الأشد تطرفاً ويمينية في تاريخ الكيان فقط، بل تعكس أيضاً مشكلات مستعصية بين الميدان العسكري والأفق السياسي للعدوان الإسرائيلي إذ يقترب من شهره الثالث.
المثال الثاني، وهو بدوره لا يثير السخرية وحدها، حول ما يتكاثر من تناقضات بين تصريحات نتنياهو أو كبار وزرائه بصدد دحر المقاومة الفلسطينية من جهة، وما تنقله وسائل إعلام إسرائيلية على لسان كبار الضباط العسكريين والأمنيين حول إمكانيات المقاومة وتعذر الإجهاز عليها من جهة ثانية. تُسمع من نتنياهو جعجعة صاخبة تبلغ درجة التلميح إلى بسط السيطرة الإسرائيلية على شريط محور صلاح الدين/ فيلادلفيا الحدودي مع مصر، وفي الآن ذاته تنقل «يديعوت أحرونوت» عن مسؤولين كبار في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أن قدرات «حماس» الصاروخية مستمرة حتى سنتين على الأقل.
المثال الثالث لا يقتصر على التباين في الآراء بين وزير الدفاع الأمريكي ونظيره الإسرائيلي بصدد مستقبل العملية البرية والإطار السياسي لما يُسمى بـ»اليوم التالي»، بل يشمل أيضاً قرار البنتاغون إعادة مجموعة حاملة الطائرات جيرالد فورد إلى ميناء فرجينيا في الولايات المتحدة، والقراءة هنا أيضاً يمكن أن تتباين في كثير أو قليل، ولكنها يصعب أن تخرج عن إطار تعديلات جوهرية على مهامّ حاملة هرعت أصلاً لنجدة دولة الاحتلال منذ أيام العدوان الأولى، وها أنها تغادر والمآزق تتكاثر حول المنجِد والمنجَد معاً