تتميز العلاقات العراقية الروسية بتاريخ من التعاون على كافة الأصعدة ، وهذا ما حاولت أمريكا أن توقفه خصوصًا بعد غزو العراق ، لكن ما أن سيطر تنظيم داعش عن ثلثي مساحة العراق ، اتجهت الحكومة العراقية إلى روسيا ، لطلب الدعم ، في حين أن هناك اتفاقية إطار استراتيجية موقعة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي ماطلت بدعم العراق لمواجهة الإرهاب، وهذا ظهر استجابة روسية ، التي رأت بأن الوقت حان لعودة العلاقات الروسية العراقية من جديد ، هنا أثيرت حفيظة أمريكا ، لتعلن عن إنشاء تحالف دُوَليّ بقيادتها ، لمحاربة الإرهاب في العراق وسوريا ، من جهة والوقوف بوجه التوغل الروسي في العراق ، ومن جهة أخرى تنافسهم في سوريا ، مع توغل التركي في الشمال .
السؤال المهم لما بغداد تخطر موسكو باستعداد واشنطن لسحب قواتها من العراق! .
قبل الإجابة عن ذلك ، يجب أن نفهم ما يجري بتحديد قبل الطوفان وبعده ، وما ترتب عليه من معادلات على الساحة الشرق الإسلامي الكبير ( الشرق الأوسط) .
أمريكا لم تستطع أن تكسب ود العراقيين ، لكونها سمحت بأضعاف العراق ، والمساعدة بانتهاك سيادته ، ودعمها للفوضى والحركات الإرهابية مثل داعش ، كما صرح مسؤولين في البيت الأبيض ، وبوضوح ، إضافة إلى حجم الأخطاء الاستراتيجية التي فعلتها أمريكا ، مما ساعد على ضرورة زيادة الضغط على القوات الأمريكية ، التي تكبدت ولا زالت خسائر كبيرة ومروعة على كافة الأصعدة.
وعلى الساحة الإقليمية ، لم يكن التعامل مع المخاطر الإقليمية ، بشكل جيد ، بل كان هناك همجية في التعامل مع الصراعات في الشرق الأوسط ، منها حرب اليمن ، و حرب سوريا ، والضغط على لبنان إقتصاديا ، وزيادة الضغط على إيران وغيرها من الملفات، منها ابتزاز دويلات الخليج ، مما ولد نَظْرَة أخرى لإعادة الحسابات في العلاقات ما بين أمريكا و دول الشرق الإسلامي الكبير.
المِلَفّ الدُّوَليّ كان حاضراً وبقوة ، دعمها الكامل لأوكرانيا ضد روسيا ، و صراعها مع الصين بسبب الاقتصاد و فيتنام ، وصراعها مع كوريا الشِّمالية ، الصراع الذي قد ينفجر بأي وقت… إلى آخره.
و فتح جبهات عدة ، من أعطى الشجاع للجميع بالتحرك هي( غزة ) وخلفها محور المقاومة ، التي رأت دول المعادية للسياسة الأمريكية ، بأن الوقوف مع محور المقاومة واجب ،لكون هذا المحور يتفق من حيث المبدأ بوجوب إنهاء الهيمنة الأمريكية على العالم ، حتى وصل الأمر إلى التفكير والعمل على إنهاء هيمنة الدولار .
من مصلحة روسيا اليوم الذي ترى بأن التواجد الأمريكي في العراق يمثل ضغط دائم ، على المصالح الروسية في سوريا ، ومن أجل ذلك يجب إنهاء التواجد الأمريكي في العراق ، (وهذا يمثل مصلحة الغرب الخفية ، التي ترى بمشروع التنمية طريق آخر لضمان وحدتها ، بدل الاستنزاف الاقتصادي الذي تمارسه أمريكا على الغرب )، حتى يتم إنهاء التواجد في سوريا ، فمن غير الممكن أن يكون هناك تواجد أمريكي ، دون وجود ساند لها من العراق ، علما بأن روسيا تدعم ما يفعله اليمني في البحر الأحمر ، الذي ساعد على الضغط على المصالح الأمريكية ، إضافة إلى الضغط المقاومة العراقية ولبنانية ، وهذا أيضًا من مصلحة الصين ، التي بدأت هي الأخرى بالتوغل في المنطقة . أمريكا أصبحت في مأزِق حقيقي بعدما تورطت بشكل مباشر في صراع الفلسطيني الصهيوني ، التي دعمت الكيان ، وتحدت الجميع بفعلتها ، لم تكن تتوقع بأن الجبهة واحدة ، فمًا أمامها إلا الحرب وهذا مكلف لكون سيشعل العالم بأسره وليس دول المنطقة فقط ، وهذا هو الانتحار ، أمريكا اليوم تحاول بإعادة التوازنات في المنطقة ، فحسب المصادر بأن بايدن بداء يضغط على نتنياهو لإيقاف الحرب في غزة ، التي لم تحقق أي إنتصار يذكر ، قبل بدأ الانتخابات في أمريكا ، كذلك محاولة كسب الوقت بمحاولة التفاوض على أنسحاب القوات الأمريكية من العراق ، مع طلب أن تكون مدة التفاوض آمنة ، أي لا هجمات على القوات الأمريكية التي بدأت تعاني من ضربات المقاومة العراقية ، إذ أضفنا لها ، اقتناص الجواسيس الصهاينة من قبل الحرس الثوري الإيراني.
هنا علينا أن نفهم بأن أمريكا لن تبقى في المنطقة ، وأن قوتها أصبحت مشتتة ، فمن مصلحة لجميع أن يتوحد ويتكاتف ، للوصل إلى عالم جديد خالي من الهيمنة القطب الواحد .
لذا روسيا تستفيد من ألانسحاب الأمريكي من العراق بالآتي :
_ تخفيف الضغط على المحور السوري ، وهذا يساعد على تقليل الإنفاق العسكري الروسي في سوريا .
_فتح آفاق ومسارات التوغل الروسي في العراق، على مستوى الطاقة بأنواعها ، و كذلك على المستوى الإقتصادي والمساهمة في تطوير القدرات العراقية ، والمشاركة بإعادة البِنَى التحتية لتكنولوجيا ، إضافة إلى التعاون العسكري وشراء الأسلحة وغيرها .
_ التعاون العراقي الروسي ، سيفتح باب الإنهاء الحصار الغربي على روسيا ، من جهة وكذلك سيزيد الضغط على أوكرانيا ، التي تستنزف الغرب من جهة أخرى .
_ ينظر الروس إلى أن بغداد تمارس الاتجاهات متعددة ، واستعدادًا لتحقيق التوازن ، وهي تحافظ على علاقات مع كل من الولايات المتحدة وإيران. لذا، فالمنصة الروسية لن تكون إلا” مفيدة لهذه الدولة شرق الأوسطية”.
_ حديث روسيا عن التعاون داخل أوبك+، وعن التعاون العسكري التقني مع العراق .
اليوم أمريكا تحاول كسب الوقت للخروج من هذا المازق ، والعجيب في الأمر بعد إيصال الرسالة الأمريكية إلى الحكومة العراقية ، تم الإعلان من قبل بايدن ترشيح تريسي آن جاكوبسون (من مواليد 1965) دبلوماسية أمريكية وسفيرة سابقة للولايات المتحدة لدى تركمانستان وطاجيكستان وكوسوفو وإثيوبيا، بتولي منصب سفيرة فوق العادة ببغداد ، وهذا يدل على أن السياسة الأمريكية بدأت تتغير ، بعد فشل بإيقاف المقاومة العراقية ، التي أعلنت عن فتح الصفحة الثانية من المواجهات بين المقاومة والقوات الاحتلال الأمريكي. وهذا مؤشر فشل للسفيرة الأمريكية الحالية التي حاولت إخضاع المقاومين للرغبة الأمريكية . نعم إن أمريكا شيطان ، لا يمكن الوثوق فيها ، لكن المقاومة حاضرة وهي تقوم بواجبها على أتم وجه ..
كندي الزهيري