لقد كان أمة!! روح الله الخميني

د.أمل الأسدي

إن الله تعالی حين يريد أن يُحدث تغييرا كبيرا، وثورةً ونهضة، يختار ويصطفي من عباده من هو قادر علی التأثير في المجتمع، يختار الإنسان المتمكن من التفاعل والتواصل،الإنسان الذي يستطيع تشخيص مواطن القوة في المجتمع(أفرادا وجماعات ومنظومات)،وبعد تشخيصها يتمكن من تفعيلها والاستفادة منها في التأسيس والشيوع، فعلی سبيل المثال نجد شخصية النبي إبراهيم(عليه السلام) إذ كان يمتلك قدرةً متفردةً في التأثير وكشف الحقائق وتحقيق الأهداف؛ لذا وصفه الله تعالی بأنه أمة:((إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِّلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)) سورة النحل،الآية 120

فهو ذلك المؤثر الذي أحدث تغييرا جذريا في زمن الشرك والعبودية والضلال،هو ذلك القائد الذي أسس لأمة الحق،أمة الإسلام المحمدية؛ لذا كان أمة!!

وقد نجد أيضا من الشخصيات المؤثرة التي كانت بحجم أمة، شخصية سيد قريش(عبد المطلب عليه السلام) الذي قال عنه الإمام الصادق(عليه السلام):

(يُبعث عبد المطلب أمةً وحده، عليه بهاء الملوك وسيماء الأنبياء) فهو الرباني الذي استجابت له السماء وحمت البيت بمعجزة ظل صداها إلی هذه اللحظة،وذلك حين قال:(أنا رب الإبل، وإن للبيت ربا سيمنعه)،إنه سيد قريش الذي أقر الإسلامُ كثيرا من سننه وجعلها أحكاما إسلامية،إنه الرجل المؤسس والكف الحانية التي كانت تصطحب الرسول الی غار حراء للتعبد والتفكر،إنه المانح العرب الهيبة والأمان والحضور بعد الخوف والجوع،إنه السيد الذي احترم المرأة وكيانها فحرّم السفاح وأقر الصداق، الرجل الذي أطلقت عليه قريش لقب”إبراهيم الثاني” لذا كان أمةً ومضی أمةً وسيُبعث أمة!!

وكذلك رسول الله الأعظم وأهل بيته كانوا أمةً،أمة مؤثرة متفاعلة مع المجتمع وفاعلة فيه،وقد وصفهم الله تعالی في قوله:((وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ…))سورة البقرة،الآية:١٤٣

فقد قال الإمام علي(عليه السلام):(نحن شهداء الله على خلقه) وقال الإمام الصادق(عليه السلام):(نحن الأمة الوسطى، ونحن شهداء الله على خلقه، وحججه في أرضه) فرسول الله الأعظم أنقذ الإنسانية من العبودية إلی الكرامة،أنصف الفقير، ونصر الضعيف، وقلب موازين الطغاة المتجبرين، أعاد الكرامة لكل مظلوم مسلوب الحقوق، فهو أمة مؤثرة، وورث أهل بيته هذا المفهوم فكان كل إمام منهم أمة!! أمةلها وقعها وصداها،وقد ذكر الله تعالی وصفا آخر لهم في قوله:((كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه…))سورة آل عمران:الآية ١١٠

فقد قال الإمام الباقر(عليه السلام):(كنتم خير أمة أخرجت للناس: نحن هم)

وقال الإمام الصادق (عليه السلام) أيضا:( إنما أنزلت هذه الآية على محمد صلى الله عليه وآله) وقال أيضا: ( هكذا والله نزل بها جبرئيل عليه السلام، وما عنى بها إلا محمدا وأوصياءه صلوات الله عليهم)،إذن فالأمة مفهوم تجسد في الأنبياء والأئمة(صلوات الله عليهم) ولكل مفهوم مصاديق متعددة، والمصداق الأوفی في العصر الحديث لمفهوم الأمة، نجده متجسدا في شخصية الإمام الخميني(رفع الله مقامه في الجنان) فقد كان أمةً مؤثرة ومغيِّرة في ظروف شائكة، وزمان عصيب، ففي قمة التغريب والتحديات التي تواجه الإسلام، جاء هذا الرجل ليحيي ما اندرس من الدين،ويجدد ما بلي منه، وقد ورد في الحديث النبوي الشريف:((إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ))وبلا شك أن روح الله قد أحيا وجدد وقاد الأمة إلی مرحلة جديدة تستنير بالقرآن الكريم،وتستهدي بمحمد وآل محمد، قادها إلی انتقالة نوعية أذهلت العالم، واستدعت شياطين الإنس والجن لتتآمر عليه وتقف ضده،إلا أن الله أراد له النصر ومكّنه من ذلك، وأعزّ به المسلمين ورفع شأن الإسلام علی الرغم مما خططت له الماكنة الصهـيونية وأتباعها من الغرب والشرق!! إذ اختاروا لحربه جهةً قريبة، قريبة من حيث الجغرافية وقريبة من حيث العقيدة،ليحققوا انفصالا في تأثيره ويحجّموا صداه، ولينفذوا مشروعا بعيد المدی ألا وهو خلق وعي جمعي لدی الشعوب العربية بأن روح الله الخميني هو الخطر، والجمهورية الإسلامية هي الخطر، وهي العـدو بدل العـصابات المحتـلة للأرض العربية المقدسة(فلسطين)!!

فالسلام علی روح الله صاحب الفضل علی المسلمين، فبجهوده وبثـورته صار حضور للإسلام أرعب الماكنة الشيطانية، وبفضله صار للشيعة في العصر الحديث مكانة وقوة ووجود يقف بوجه جبابرة الأرض، وبفضله وُجد للإسلام منجم من الشخصيات القيادية المؤهلة لتكون أمة!! ومن أهم ما قيل فيه؛ وصف الكاتب الصحفي المصري(محمد حسنين هيكل) حين قال عن الإمام الخميني:[هو رجل عظيم جاء من زمن آخر… الخمـيني رصاصة انطلقت من القرن السابع الميلادي، لتستقر في قلب القرن العشرين] وهو وصف بيّن الامتداد الطبيعي للسيد الإمام إلی رسول الله وأهل بيته،وبيّن ارتباطه بمنهجهم في بناء الدولة التي تخدم الإنسان وتحفظ كرامته.

فالسلام عليه حين ولد وحين رحل وحين يُبعث حيا،وجزاه الله عن المسلمين والإسلام خير الجزاء وأوفاه.

المزيد من المشاركات
اترك تعليقا