تحلُّ علينا ذكرى يوم القدس العالميّ التي جعلها الإمام الخميني في آخر جمعة من شهر رمضان مناسبة للانتصار ، وكما أشار الإمام الخامنئي بأنّها : « فرصةٌ لجهاد التبيين ؛ لتعرب الأمّةُ الإسلامية عن وجودِها وهويتها ، وتدافع عن قضيتها الإسلامية قضيةِ فلسطين » .
وتمتازُ هذه المناسبة في هذه السنة عن غيرها من السنوات والمناسبات بحدثٍ مهمٍ، وهو انتصار المقاومة عموماً ، وفي غَزَّة بشكلٍ خاصٍّ على العدوّ الصهيونيّ من خلال «طوفان الأقصى » ، وهنا نشيرُ إلى عددٍ من النقاط المهمّة :
أوّلاً : أثبتتِ المقاومةُ قدرتها على تحقيق النصر مهما حاول الأعداءُ أنْ يخلقوا للمقاومة من تحدياتٍ؛ لإضعاف المحور، وعلينا أنْ نتحدّثَ عالياً عن هذه الانتصارات التي حققها المقاومُ الإسلاميّ، ونتحدّثُ بنفس الوقت عالياً عن انكسارات الأعداء .
ثانياً: أثبتتِ المقاومةُ أنّ محورها محورٌ واحدٌ أعني « وحدة الهدف ، وإنْ تعددت الميادين»، ولابدّ من القول : إنّ سرَّ قوَّة المقاومة بوحدة هدفها، وتماسكها ، وتعدد أدوارها ؛ ممّا جعل العدوّ يُدرك أنّه أمام جغرافيا متعددةٍ ومعقدة ومستعدة للمقاومة، فهناك محورٌ يسيطرُ على المنافذ الدولية في البحر الأحمر والبحر المتوسّط، وهناك محورٌ في الجزيرة، ومحورٌ في الشام ، ومحورٌ في لبنان ، ومحورٌ في العراق، ومحورٌ في إيران .
كما أنّ العدوّ عرف حقيقة جديدةً أنّ خريطة المنطقة تبدَّلت لصالح المحور الإسلاميّ الذي فرض وجوده وسيطرته على أهمّ منطقة من غرب آسيا .
ثالثاً : نقول – بشكلٍ لا يقبل الشكَّ، ولا يخضع لأيّ تأويل -إنّ العدوَّ أصبح عاجزاً عن مواجهة المقاومة ، ولم يتمكَّنْ من كسر إرادتها وقوّتها وتضامنها وقدرتها، وهذا الأمرُ قد تجلّى من خلال عجز القوى الكبرى من منع المقاومة من ضربِ الخَطِّ التجاريّ الدوليّ ، والامداد الخارجيّ، والمعونات التي تصل إلى الكيان ، وبحمد الله أصبح العدوّ محاصراً من مقاومةٍ تتسع باتساع الرقعة الجغرافية، وتمتدُّ على أكبر مساحات المواجهة وتلك اهم الأخطار التي أخذ العدو يهتم لها ويدرسها ويعتبرها صدمة وتحدي له بالعمق .
رابعاً: الأهداف التي تحققها المقاومةُ في لبنان والعراق أصبحتِ الآن أهدافاً استراتيجيةً تصلُ إلى أعماقِ الكيانِ الغاصبِ، وأثبتت أنّ المقاومة في واقعٍ متطوّرٍ، ومستمرٍّ، ومتواصلٍ بعزيمةٍ لا تلينُ .
خامساً : تبيّن أنّ الشرف الرفيع والجهاد الحقيقي ترتفع رايتُهُ من محورِ المقاومة، وليس من محورِ التطبيع والركوع والخنوع الذي جعل الدول العربية تقفُ متفرِّجةً على مذابح الأطفال، وتدمير قطاع غَزَّة بكافّة أحيائه، وتعجزُ حتّى عن أنْ تُصدرَ بياناً واحداً لمناصرة الشعب الفلسطينيّ الذي يعاني الجوع والخوف وانعدام الغذاء والدواء،وبهذا تكشف زيف الدواعش وغيرهم .
سادساً : كشفتِ المقاومة عن زيف المدَّعيات الغربية بـ « أنّها تحترمُ حقوق الانسان » . كما أنّ المجازر التي ارتكبها الكيان الغاصب بمساعدةِ أمريكا وأُوربا لم تتركْ مجالاً للرأي العامّ ، سواء في ذلك شعوب العالم العربيّ أو الإسلاميّ ، أو الغربيّ إلّا أنْ تتعرّفَ بقوّةٍ على الحقيقة الإجراميةِ للحكومات الغربية الدموية ،وهذا ما تؤكّده التظاهراتُ والشعاراتُ التي رفعتها المجتمعاتُ والشعوب في أوروبا وأمريكا فضلا عن المجتمعات العربية والاسلامية ضدّ الاستكبار العالميّ ، فأصبح العالمُ اليوم فريقين : فريقٍ مع العِزَّة ( غَزَّة والمقاومة )، وفريقٍ مع الاستكبار .
سابعاً: « طوفان الاقصى » هو طوفان الشعوب الإسلامية ، وطوفان الإسلام ضدّ المخططات الغربية والتطبيع العربيّ، وهو نتاج طبيعي لثورة ومنهج الإمام الخميني فسقطتْ شعاراتُ القوميين العربِ، وتمادت أكثر في وقوفها إلى جانب الاحتلال الإسرائيليّ .
ثامناً : إنّ الكيانَ الغاصبَ قد تغيَّرتِ المعادلاتُ في داخله وخارجه ،واليوم يبحثُ عن فرصِ البقاء ، والتقاط أنفاسه حتّى يمنع الانهيار والتراجع، وقد تفككت نوعاً مَّا المنظومة الغربية ، واختلفت في طرق معالجة الطوفان ؛ لأنّ الغرب والكيان الصهيونيّ جميعا قد وقفوا عاجزين أمام معجزة المقاومة الإسلامية، فبعد أنْ كانت إسرائيل تعمل على تركيع الأُمَّةِ الإسلامية لتكون مساحتُها من النهر إلى البحر أصبحت اليوم راكعةً أمام قوّة المسلمين الثائرين ، لمنع الانهيار القادم.
تاسعاً : أثبت « طوفان الأقصى » أنّ الجهاد المقاوم ضدّ الكيان الغاصب لا ينطلق من فراغٍٍ، بل من موقف الشريعة الإسلامية التي جَسَّدتها فتاوى المراجع في وجوب الدفاع عن الشعب الفلسطينيّ، ومن مواقف النجف الاشرف وقم ،وهي اليوم تمتلك عقيدةَ الدفاع بكُلِّ قوّةٍ وإصرار دون تراجع .
عاشراً : القضية الفلسطينية ، وحقّ تقرير المصير كان في زوايا مظلمةٍ قبل « طوفان الأقصى »، كما خطط العدوّ لذلك، وكانت حكراً على أنظمةٍ عميلةٍ انتجت « كمب ديفيد ، واتفاقية أُوسلو ، ووادي عربة »؛ بينما عاد اليوم القرارُ بيد الشعب الفلسطينيّ والشعوب الإسلامية ، وتفعَّلتِ القضيةُ الفلسطينيةُ أكثر ، فأصبحت قضية الرأي العامّ العالميّ ، وتفجَّرت كبركانٍ حقيقيّ لدى الشعوب العالمية التي أعلنت في أكثر من مناسبةٍ، وفي أكثر من دولةٍ عن مناصرة الحقِّ الفلسطينيّ، وبهذا أصبحت الأنظمة والعصابات الغربية والعربية أمام نهضة الشعوب المسلمة ، بل الشعوب كلّها .
حادي عشر: أصبح الآن – بفعل « طوفان الأقصى » – الشعب الفلسطيني في غَزَّة والضفة الغربية شعباً مقاوما ثائراً لا يقبل بأنصافِ الحلول، وأنّه قد أنهى مرحلة الإحباط والتراجع ، فهو الآن يمتلك المعنوية العالية ، والإصرار الكبير لنيل كامل حقوقه .
ثاني عشر : إنّ الانتصار الذي حققه « طوفان الأقصى » إنّما هو انتصارٌ لمحور المقاومة محلّياً ، وسوف يتصاعد دور المحور لرسم قواعدَ جديدةٍ عالمياً في إدارة النظام العالميّ، بما يجعل المحور الإسلاميّ المقاوم قادراً على رسم نظامٍ جديدٍ يحتلّ فيه المسلمون دورَهم القياديّ.
وبفعل « طوفان الأقصى » وصمود المقاومة فإنّ الحقيقة تفرض نفسها للقول : إنّ غرب آسيا الآن تحت سيطرة الإرادة الإسلامية المقاومة، بما فيها من شعوبٍ وعقيدةٍ ومنافذَ ومؤثّرات وثروات .