حرب الوكالة
مناسبة 8 اب يعرفها الجميع موعداً لانتهاء الحرب العراقية الايرانية، ومن ينسى ولايتذكر حجم الماسي التي عشناها، في حرب تعتبر اطول حروب القرن الماضي، تاريخ نحن مؤتمنون على نقله لاجيال لم تعش الحدث.
البعض يتذكرها بغصة واخر يتذكر من فقد من احبائه، واخر فرح لنهاية اطول حرب في القرن الماضي التي دمرت البلدين، وخلفت شهكاء وايتام وثكالى ومهجرين ومهاجرين ومرحلين، وانا من بين من يتذكر فقد اراضيه ومسقط راسه وكثير من اقربائه.
من ينسى زحف الجيوش، ومن ينسى سوق الجنود، ومن ينسى اعدام الفارين خوفا من الموت فيها، ومن ينسى معدات الحرب الجبارة، ومن ينسى سيطرات الزيتوني بالشوارع والازقة، تقبض على كل من هو “ذكر” حتى لو كان بطفولته لتسوقه للجبهات كالقرابين ارضاء لطموح المتسلطين، ولم يبقى عراقي واحد الا ولديه الاف القصص يرويها تعكس حجم ماساة تلك الحرب واللامها.
لازلت اتذكر تلك الطفولة التي سلبت منا بعشرات التهجيرات بالداخل ولايمكن نسيان تلك الحقائب التي حملناها من مكان لاخر ونحن نرتحل هربا من القصف فيما كانت مناطقنا في البصرة خطوط الحرب الامامية، لتكتمل تلك الطفولة العنيفة برؤية عشرات قوافل الشهداء ومنهم اقارب واعزاء واصدقاء وجيران … الخ.
اكثر ما يتجلى في مخيلتي الزاخرة بتلك الأحداث ، لهونا ولعبنا بالقرب من سكة الحديد نحسب عدد القطارات التي تمر ونتعلق باطراف منها واحيانا نضع قطع النقد تحت عجلاتها الحديدية الكبيرة المرعبة، لتصبح وكانها رقاقة بعد ان تمر عليها محملة بالاسلحة الثقيلة من دبابات ودروع وعجلات جبارة لتذهب بطريق واحد نحو الحبهات دون عودة ولازلت اذكر في احد الايام عبر فيه 18 قطار في يوم واحد لمعركة استمرت 7 ايام بلياليها وتصوروا حجم الماساة واستنزاف لموارد بلد كان يفترض ان توجه تلك الاموال لتنميته.
حربٔ طالت، حتى كنا لانصدق انها قد تنتهي يوماً ما، ويوم انتهت كان العيد بعينه، في حرب لا اسباب واضحة لها، غير ارضاء من اراد ان يدمر البلدين معا، وبالنهاية لم يستطيع صدام حسين ان يزيل الخميني ولا العكس، والطرفين عادا لحدودهم مجبرين، وانتهى من سوق لها ونفخ فيها خالي الوفاض، ليدرك الطرفين ان من اثارها ضحك علبهما.
لكن، ما لا افهمه ان يتفاخر البعض بحرب دمرت البلاد وادخلته في اتون تفرق داخلي وانهيار اقتصادي مع علمه انها حرب وكالة، ويسوق الاسباب تلو الاخرى لتشريع حدوثها، ليعترف حتى من قام بها انه خدع وحارب عن غيره، وهو ماتسبب بحرب اخرى على اثر خلافات نشبت بعدها مع مايفترض بهم اشقاء.
الواقع يقول ان نعالج كل مخلفات تلك الحرب ونحذر من الوقوع مجددا بحرب نيابة اخرى، عن غيرنا وندفع نحو الاستقرار وننأى بانفسنا عن صراعات الاخرين، وليس العكس، وحديثي لمن يتفاخر بهذه “الحرب العبثية”، ان كنتم حريصين على وحدة واستقرار البلاد، كونه من البلدان المختلطة الاثنيات والطوائف، وبالتالي ممكن ان يكون العراق سببا لاضطراب المنطقة كما يمكن ان في قمة هرم السلام لو تفاهم ابناءه وتفهم جيرانه وضعه.
علماً اننا ان لم نكتب بجرأة مايهم شعبنا فقط، وراعينا مايهم الشعوب الاخرى فلا خير في اقلامنا، ولن تختلف عن من سبقنا، فلا مكان لحروب اخرى كما يريد البعض، عدا ما يجب ان تكون للردع ولكل حادث حديث، حيث اهم ما تحقق لاحقا ان العراق اصبح دولة مسالمة يتوافق فيها المتخاصمين بعد ان كانت سبب لانطلاق حروب ومسرح خلاف المتخاصمين.
د. حيدر سلمان
محلل سياسي
باحث بالشان العراقي والدولي