لا أكتب اليوم من أجل السياسة، ولا من أجل التاريخ، بل أكتب عن الأخلاق التي ظنناها قد خُلقت مع الإنسانية، فإذا بها تتهشم أمام أعيننا كما يُهشم الصخر تحت معاول الطغاة.
ما نراه اليوم من جرائم تُرتكب بحق شعوبٍ أعزلَة، وأطفالٍ لا ذنب لهم، ونساءٍ يكابدن الويلات، قد كشف الغطاء عن زيف ديمقراطية الغرب وانحرافها عن القيم التي طالما تباهى بها قادتها.
إن قرار المحكمة الجنائية باعتقال نتنياهو وغالانت، وهما مثالان صارخان للتوحش الصهيوني الذي يعيث فساداً في أرضٍ محتلة، قد ألقى الضوء على تواطؤ الغرب وأميركا،
بدعمٍ لا محدود ولا متناهٍ، على جريمة إنسانية متكاملة الأركان. كان من المفترض أن يشكّل هذا القرار بارقة أملٍ تعيد للأخلاق اعتبارها، لكنه في الوقت نفسه قد فضح حجم التواطؤ والانحراف الأخلاقي الذي يتخذ شكل سياساتٍ تحمي القتلة وتبارك جرائمهم.
لقد كانت الأخلاق في الغرب ذات يومٍ تمثل قيماً إنسانية مشتركة، لا تعرف حدوداً ولا تعترف بلونٍ أو عرقٍ أو دين.
ولكن ما شهدناه من دعمٍ لآلة الحرب الصهيونية التي أبادت آلاف الأطفال في غزة، وقصفت المنازل، وهدمت المشافي، واستخدمت أسلحةً محرّمة دولياً، قد أظهر لنا أن هذه القيم لم تكن سوى شعارات براقة تخفي وراءها نفاقاً سياسياً وانحيازاً أعمى.
يا للأسف!
تلك الشعوب الغربية التي طالما افتخرت بديمقراطيتها، قد باتت ترى الآن بوضوح أن قادتها يخدعونها، ويحوّلون وجوههم عن معاناة الأبرياء باسم المصالح السياسية والاقتصادية.
هذا الانحراف ليس مجرد انهيار للأخلاق، بل هو زلزال يضرب أساسات الإنسانية جمعاء، وينذر بأننا قد دخلنا عصراً لا تعرف فيه القوة حدوداً ولا يحكم فيه الضمير.
أيها السادة، إذا أردتم أن تعود الأخلاق إلى مكانها الطبيعي، فلا بد أن تكون العدالة هي الركيزة، وأن ينتهي التواطؤ مع الطغاة، وأن تتحمل الشعوب الغربية مسؤوليتها في الوقوف ضد حكوماتٍ أضاعت قيمها وباعت إنسانيتها.
وإلا، فلن يبقى من العالم سوى حطامٍ أخلاقي، لا يليق بالبشر أن يعيشوا فيه.
إنني أدعو من مكاني هذا إلى يقظةٍ إنسانية، تدرك أن الصمت عن الجريمة جريمةٌ، وأن التواطؤ مع القتلة خيانةٌ للإنسانية جمعاء.
فلتكن هذه اللحظة بدايةً لتصحيح المسار، وإعادة الاعتبار لأبسط ما يميّزنا كبشر: الأخلاق.