حديث الثلاثاء..”النهب العام” وتهريء العقل السياسي..!

عمار محمد طيب العراقي

ولست بالباغي على الحب رشوة ** ضعيف هوى يبغي عليه ثواب…المتنبي

في العراق، وفي كثير من بلاد الديمقراطيات الكاذبة، يتهرأ العقل السياسي بسرعة، وبسرعة أيضا ينحاز نحو اللامعقول، حيث كل شيء بالمقلوب: أنهب أموال وطنك ننشر لك السجاد الأحمر، خيب آمال ناخبيك نرفعك فوق رؤوسنا، بايع دولة أجنبية نمكن لك في الأرض.!
مع هذا الواقع وما يفرزه من مرارات، تتنحى الذاكرة ويضحى الماضي القريب نسيا منسيا،ويمر إختفاء مليارات الدولارات خلال عشرين سنة إنصرمت، وكأنه إختفاء ثوب من على حبل الغسيل، لأنه لم يكن مشبوكا بمشبك.
مع إختفاء المليارات، يجري التعامل مع الأرقام، وكأنها أرقام فقط، رقم من واحد وأمامه إثنا عشر صفرا، هو حجم المال الدولاري المختفي منذ 2003 الى اليوم، يجري التعاطي معه وكأنه قدر محتوم؛ ليس بيدنا إزاؤه شيء، وأنه يجب علينا قبوله بأريحية تامة، لأنه “قدر” هبط علينا من السماء، كما هبط علينا مجلس الحكم، حيث حكمتنا مجموعة من الرجال والنساء، كل منهم لمدة شهر، يخرج بعدها الحاكم من قصر الحكم الى قصر حكومي آخر، ومعه نصيبه من “القدر” ـ الرقم الذي يبدأ بـ”واحد” وأمامه جيش الأصفار..
خلال عشرين عاما مرت علينا “سحب” محملة بالرغبات الشرهة، سياسيو غفلة، لا يفقهون من السياسة شيئا، لكنهم”خبراء” بإقتناص اللحظات الفارهة بالمال والجاه والإمتيازات.. هذه “السحب” بدل أن تمطر علينا ما يسد الفاقد الحضاري، الذي تحدثت عنه في مقال الأسبوع الفائت، غادرتنا مسرعة لتمطر في بلدان أخرى، محافظ إستثمارية وقصورا وعمارات وفنادق ويخوت وجزر تاهيتية، و”أكلوا العن ابو العازمكم”..!
تحت يدي قائمة طويلة أحدثها كل ساعة، ولا يسعني الإنتهاء من إعدادها، أسماء لرجال ونساء نهبونا، ثم غادرونا بهدوء مريب..نواب من الجمعية الوطنية، وزراء لوزارات لها اسماء غريبة، مسؤولين لدوائر ومؤسسات حكومية لا نعرف معاني لافتاتها، ومعها شهدنا فورة بإفتتاح مئات المصارف الأهلية، والعقل المالي يقول: في بلد إحادي الريع كالعراق، فإن كثرة المصارف الأهلية يعني أن ثمة غسيل للأموال المنهوبة تجري شرعنته بسكينة ووقار، وبأبنية أنيقة وسكرتيرات حسان..!
“أطقم” كاملة من مدراء مكاتب المسؤولين الحكوميين تتبدل، ومع كل عملية إستبدال “ديمقراطية”، يجري تفريغ”ناعم” للمال العام..بالمناسبة لم اوفق لفهم معنى الحرب الناعمة بسهولة، إلا بعدما فهمت معنى “النهب الناعم”..!
ويقفز سؤال كبير يفغر فاه لماذا يحاكم من يسرق دراجة هوائية، بالحبس “الشديد”، من سنة إلى ثلاث سنوات، على وفق المادة رقم 440 من قانون العقوبات رقم (16) لسنة 1960، وبالمقابل يسمح لمن سرقوا العراق بأكمله بمغادرته آمنين سالمين غانمين، بعلم القانون ورضاه وصمته، وربما بمباركته، وتركهم يحملون ما خف حمله وغلا ثمنه، عبر المطارات مع إنحناءة من موظفي الكمارك..
خبر:
السلطات القضائية في ‎العراق تطلب رسمياً من منظمة الشرطة الدولية “الانتربول” القبض على أعضاء مهمين في حكومة الكاظمي منهم وزير المالية عبدالأمير علاوي، ورئيس جهاز المخابرات رائد جوحي، ومشرق عباس، وأحمد نجاتي؛ لتورطهم بعمليات فساد مالي وإداري، تحدث عنها مسبقا رئيس هيئة النزاهة.
أنتم “لوتية” لو شركاء؟!

المزيد من المشاركات
اترك تعليقا