يشهد العراق والمنطقة منذ مدة ليست بالبعيدة تحركا عسكريا لافتا للنظر ، يتمثل بتواجد عسكري اميركي يتجاوز الثلاثة الاف مقاتل ، قابلة للزيادة ، مع امدادات لوجستية تعبر الحدود العراقية- السورية كل يوم ، فضلا عن تواجد بحري قريبا من مضيق هرمز ، و يفسره البعض بأنه يمثل رغبة امريكية بإثبات وجودها من خلال وكلائها في المنطقة ، والذين من المحتمل ان يمثلوا وجوها جديدة لبعض النظم الحاكمة ، وتلتفت الانظار الى العراق باعتباره لا زال دولة محتلة من قبل النظام الامريكي وتسري عليه قوانين خاصة قد تطيح بنظامه الحاكم في اي لحظة .
وبالرجوع الى ازمنة سابقة ليست بالبعيدة ، فنحن نتذكر جيدا كيف صرح القادة الامريكيون بان الشرق الاوسط الموسع ليس مكانهم المفضل في الوقت الحاضر وان الاولويات الاميركية تنظر الى ابعد من ذلك بكثير حيث التنافس الصيني والروسي في مناطق عدة ، وان الشرق الاوسط الموسع في عهدة إسرائيل المتصالحة مع العرب عبر التطبيع ستكون اكثر طاعة واكثر ليونة مع النظام العالمي الجديد ، ولذا شاهدنا جميعا الانسحاب الامربكي من افغانستان وتقليل عدد القوات العسكرية المقاتلة ، وهذا توجه عسكري صحيح مائة بالمائة بالنسبة للامريكان ، الا ان هناك مستجدات على الارض قد حدثت ، وتتطلب اعادة الانتشار العسكري تحسبا لاي طارئ ، فالولايات المتحدة الامريكية كانت تعول على إسرائيل وتركيا في ضبط التناغم الوجودي ، وقد سمحت لتركيا بالتوغل في العمق العراقي واشترطت على الحكومات العراقية عدم مناقشة هذا الامر ، وكانت امدادات النفط مضمونة في كل الاحوال ، مع وجود اتفاق عراقي – تركي على ضخ النفط في الموانئ التركية بوجود امتيازات خاصة لتركيا ، الا انه وكما يتراءى لي فان المؤسسة العسكرية الاسرائيلية يشوبها النزاع وهي تلك المؤسسة التي تضم جناحين منفصلين عن بعضهما ولكن تجمعهما عقيدة وهدف واحد ، وقد هددت تلك المؤسسة الولايات المتحدة الامريكية بانها قد تتحرك عسكريا في منطقة بلاد الشام بدون الضوء الاخضر الامريكي ، لاثبات وجودها ، ويبدو كأنه نوع من التهديد المبطن في ظل نوع من التراجع لصالح الملف الايراني ، يصاحبه تبادل النفط العراقي مقابل الغاز الايراني ، ورغبة روسيا الاتحادية الاخيرة في انشاء مركز للغاز بديل عن تركيا ، ومن المعروف انا ، بأن الديمقراطيين اكثر قربا من إسرائيل ولاكثر من سبب من الجمهوريين ، وبالتالي فان التحرك الاميركي وان كان يهدف الى التهديد للجانب العربي والاسلامي وحتى روسيا الاتحادية ، الا انه قد يشكل نوعا من اثبات الوجود الافتراضي لصالح إسرائيل ، على ان يكون الاشتباك العسكري واردا في اية لحظة ممكنة ، وبما ان القادة الامريكان قد صرحوا مرارا بانهم لا بفضلون المواجهة العسكرية مع روسيا الاتحادية ضمن الملف الاوكراني ، الا ان ذلك لا يمنع من بعض الاستفزازات العسكرية في سوريا ولبنان ، ومع انتهاء مدة تواجد قوات اليونفيل ورغبة الدول العربية في حسم الملف السوري ، وكل ذلك مقابل ضمانات للجانب الغربي ، ولا باس كذلك بفكرة تاديب الاذرع الايرانية في العراق والتي تشهد صراعا وجوديا ، اي ان اية مواجهة عسكرية بين محور المقاومة وإسرائيل يعني الدفع بتحرك اسرائيلي عاجل لضربة تكتيكية للعمق الايراني ، وهذا بالتاكيد يعني رسالة امريكية للجميع باننا موجودون وان المنطقة لا زالت مهمة بالنسبة لنا ولحلفائنا .
وفي مثل هكذا ظروف فقد تتغير احيانا بعض النظم الحاكمة ، الا انه ليس امرا سهلا كما يبدو ، ومن هذا المنطلق نرى الاصوات المهددة بما يجري ونرجو من حكومتنا العراقية ان تكون على قدر من الوعي السياسي لحسم ما يجري لصالحها .
دمتم بخير
المزيد من المشاركات