رداً على تهجم هاكان فيدان على إيران.. رمتني بدائها وأنسلّت

في لقاء مع احدى القنوات العربية تهجم وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على إيران وقال إن طهران “دفعت ثمنا باهظا للحفاظ على نفوذها في العراق وسوريا، ومع ذلك، كانت مكاسبها ضئيلة مقارنة بالتكاليف، وأنه قد نقل هذا التقييم إلى قائد فيلق القدس الشهيد قاسم سليماني. واضاف انه اذا كانت سياسة ايران ازاء سوريا ستكون كذلك، لا اعتقد انها سياسة صحيحة، فاذا أردت ان تدعم مجموعة في داخل بلد اخر لخلق القلاقل، فالدول الاخرى بامكانها ان تؤذيك عبر دعمها بعض الجماعات”.
-وانا استمع الى رئيس الامن التركي السابق وزير الخارجية الحالي فيدان، وهو يتحدث عن “تدخل” ايران في سوريا، وعن “دعمها لمجموعات”، وانها “سياسة خاطئة”، قفز الى ذهني المثل العربي المعروف “رمتني بدائها وانسلت”، فليس هناك من مثل ينطبق على تركيا كهذا المثل، فمنذ الربيع العربي وصعود نجم الاخوان المسلمين، استشعرت تركيا، انها باتت في قلب العالم الاسلامي، وان “التاريخ وضعها في قلبه” وما عليها الا ان تستغل هذه الفرصة التاريخية التي لا يمكن ان تعوض.
-فنحن هنا لا نتحدث عن تاريخ، بل عن احداث عشناها ونعيشها الان، فتركيا ترى من حقها التواجد العسكري في العراق واقامة عشرات القواعد العسكرية هناك، وكذلك في سوريا، والذريعة “خطر الارهاب الكردي” والدفاع عن الاقليات التركمانية. كما تعطي لنفسها الحق بان ترسل الاف المقاتلين من المجموعات المسلحة الى جمهورية اذربيجان للقتال ضد ارمينيا، وقبل ذلك فعلت ذات الامر عندما نقلت الالاف المقاتلين الذين دربتهم وسلحتهم تحت عناوين مختلف وفي مقدمتها المعارضة السورية الى ليبيا للقتال هناك. في المقابل نرى فيدان وهو يتحدث عن دعم ايران لفصائل المقاومة مثل حماس والجهاد وحزب الله والحشد الشعبي وانصار الله، على انه تدخل ايراني في شؤون تلك الدول، بينما هذه الفصائل خرجت من رحم المجتمعات العربية الرافضة للهيمنة الامريكية والاحتلال الاسرائيلي، ولم تخرج من رحم اجهزة المخابرات العربية والاقليمية والامركية والاسرائيلية.
-وليس هناك من دليل اوضح على ان المجاميع التي تم تسليحها في المنطقة من قبل الدول الالقليمية، خرجت من رحم تلك الاجهزة الاستخباراتية، من عدم وجود اي عداء بين هذه الفصائل وبين الكيان الاسرائيلي او معارضة حيال التواجد الامريكي غير الشرعي في المنطقة، بل ان اغلب هذه المجاميع لديها علاقات وثيقة مع العدو الاسرائيلي، وهناك دلائل دامغة بالصوت والصورة تؤكد ذلك.
-النشوة التي يشعر بها فيدان بعد التطورات الاخيرة في سوريا، لا يمكن ان تكون مصدرا للمباهات، فسوريا التي عمل خلال سنوات طويلة لاسقاط النظام فيها بمساعدة دول اقليمية ودولية وعلى راسها امريكا، ودخلت عاصمتها القوات المدعومة من قبل بلاده، تعرضت فور سقوط نظام الاسد الى هجمات واسعة النطاق للغاية نفذها الكيان الصهيوني ضد المنشآت والبنية التحتية العسكرية والدفاعية السورية، وحتى مراكزها العلمية والبحثية، وتم تدمير أكثر من تسعين بالمائة منها. علاوة على ذلك، أعاد الكيان الاسرائيلي احتلال مرتفعات الجولان بأكملها، ويعمل على احتلال ثلاث محافظات سورية، وبات يسيطر الآن على أهم موارد المياه في سوريا وينتهك مرارا وتكرارا وحدة أراضي البلاد وسيادتها الوطنية. وهذه هي إنجازات السياسة الخاطئة في حق الشعب السوري والشعب الفلسطيني والمنطقة بأسرها.
-اللافت والغريب انه مع كل هذه الكوارث التي نزلت بسوريا، نرى فيدان يتجاهل كل ذلك ويقول ان الاستراتيجية الإقليمية لإيران لم تحقق أهدافها، وأن الديناميكيات الجيوسياسية المتغيرة أجبرت طهران على إعادة تقييم دورها. وان على إيران أن تعيد النظر في تحركاتها بعد مرحلة الأسد!!، متجاهلا وعن عمد الخطر الحقيقي الذي يحدق بسوريا وهو الكيان الاسرائيلي والاحتلالين الامريكي والجماعات المسلحة التي تحمل جنسيات عشرات الدول واغلبها لا يتلكم العربية.
-فيدان يعرف قبل غيره، ان ايران لم تستثمر من اجل مصالحها او من اجل قضم اراضي الغير او اقامة قواعد عسكرية وتشكيل ميليشيات طائفيةـ وهذا ما تأكد بعد سقوط نظام الاسد، إيران لم تسع إلى أي طموحات إقليمية خلال العقود الخمسة الماضية. لقد كان كل اهتمامها هو دعم الشعب الفلسطيني ومثله العليا في النضال ضد الاحتلال والعدوان ومنع الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة. اليوم أصبحت قضية فلسطين أكثر حيوية من أي وقت مضى، وأصبحت “إسرائيل” مكروهة أكثر من أي وقت مضى. ولولا الطعنات في الظهر لما تجرأ أحد على الحديث عن التهجير القسري للفلسطينيين من غزة.
-ايران دعمت دائما المقاومة، لكنها في الوقت نفسه واجهت السلوكيات غير القانونية والإرهاب بصدق. كانت أول دولة ترفع علم محاربة “داعش” والتطرف العنيف بيد بطلها الشهيد سليماني. كانت أول دولة عارضت وواجهت الانقلاب ضد الحكومة التركية. وكانت من أوائل الدول التي رحبت بقرار حزب العمال الكردستاني في إلقاء سلاحه واعتبرته خطوة مهمة نحو تعزيز الأمن في البلد المجاور تركيا، فلو كانت ايران تنوي التدخل في شؤون الدول الاخرى لما اتخذت مثل هذه المواقف المشرفة من جيرانها، لذلك ستبقى ثابة على مواقفها المبدئية ولا تغيرها من سياسة إلى أخرى كل يوم.
-ايران لم تعمل على ضرب استقرار اي بلد ولمن يكن لديها اطماع بأي بلد، لأنه ليس من منطقها، فالمحاصرة من اعداء الامة، كان يكفي لإيران ان تغض الطرف عن فلسطين وعن فصائل المقاومة، وينتهي كل شيء، كما يفعل الاخرون الذي يدعون انهم عباقرة السياسة، بينما هم ليسوا سوى بيادق على رقعة الشطرنج الامريكية الاسرائيلية. العالم اجمع يعلم ان ايران تدفع ثمن مواقفها المبدئية من فلسطين، وهي مواقف نراها متذبذبة وهلامية ومترنحة لدى الدول الاخرى التي ترفع شعار الدفاع عن فلسطين فقط بينما في الخفاء تقيم علاقات استراتيجية مع الكيان المحتل لفلسطين، وكذلك تدفع ثمن دفاعها عن وحدة اراضي الدول العربية والاسلامية، كما حصل في سوريا والعراق ولبنان.
-ليس لايران وكلاء بل فصائل مقاومة تابعة لدول تعارض الهيمنة الامريكية والاحتلال الاسرائيلي. مثل هذه الفصائل لم تتورط يوما في قتال بين المسلمين او لدوافع طائفية، رصاصها فقط يطلق صوب صدر العدو الاسرائيلي، ولكن ماذا عن الميليشيات والمجاميع المسلحة التي تنطلق من دوافع تكفيرية وطائفية وعرقية، هل اطلقت مثل هذه المجاميع رصاصة واحدة صوب عدو الامة؟. اذا كانت هذه السياسة، سياسة الوكلاء ودعم المجاميع المسلحة، خاطئة فلماذا تعتمدها تركيا اذا في سوريا والعراق وجمهورية اذربيجان وليبيا؟. اي فصيل من هذه الفصائل حارب “اسرائيل” وناهض المخططات الامريكية لتفكيك المنطقة؟، اليست كل هذه الفصائل هي معاول لهدم وتجزئة الدول وهذا الذي حدث في ليبيا ويحدث اليوم في سوريا، والمخططات جارية لنقل هذا السيناريو الى العراق؟.
-الخطاب الايراني هو خطاب مناهض للسياسة الامريكية والاحتلال الاسرائيلي وهو خطاب لاقى اذانا صاغية لدى شعوب المنطقبة ونخبها، ولم تتدخل ايران عسكريا في اي بلد ولم تقم اي قواعد عسكرية ولم تدع ان لها حقوق تاريخية في ارض الغير وتستخدم الاحلاف العسكرية من اجل تحقيق احلامها التاريخية. بل على العكس قدمت خيرة قادتها لمحاربة الجماعات التكفيرية من اجل الحفاظ على وحدة اراضي الدول العربية التي كانت مهددة من قبل هذه الجماعات التي تأتمر باوامر الاستخبارات الاليمة والدولية. حتى عملية طوفان الاقصى التي نفذتها حركة حماس ورغم علاقة الحركة بايران، الا انها لم تخبر ايران بما كانت تخطط له ولا حتى بموعد هذه العملية، فهي عملية فلسطينية بحتة جاءت ردا على الظلم الاسرائيلي المتواصل مننذ سبعة عقود. ان نفوذ بعض الدول الاقليمة في المنطقة، هو وليد تلاقي مصالح هذه الدول مع المصالح الامريكية والاسرائيلية، وليس وليد دهاء وعبقرية مسؤولي هذه الدول.
-فيدان يهدد ايران من “مغبة التدخل في الشأن السوري”، بينما بلاده لم تكتف بنقل ودعم وتسليح الجماعات المسلحة الى سوريا، بل ارسلت جيشها الى داخل سوريا، واحتلت اراض شاسعة فيها، وقاتلت السوريين بشكل مباشر، فمن الذي يرمي بيوت الاخرين بحجر، ايران ام تركيا؟.
-كنا نتمني على فيدان ان يخبرنا، عن الاهداف التي وراء تاسيس قناة تلفزيونية تركية ناطقة باللغة الفارسية “تي ار تي فارسي” موجهة الى الداخل الايراني؟، هل هذا تدخل أم لا؟، قد يقول قائل ان مثل هذه القنوات موجودة في كل الدول وهي من اجل تعزيز الاواصر بين الشعوب، وهذا صحيح، ولكن بماذا نفسر تصريحات زاهد سوباجی، المدير العام للتلفزيون الحكومي التركي “تي آر تي”، التي قالها فيها وبصريح العبارة ان تاسيس هذه القناة (تي ارتي فارسي) ، هدفها خلق فوضى داخل ايران!!.
-اخيرا نعيد ما قاله المتحدث باسم الخارجية الايرانية ردا على تصريحات فيدان، حيث قال عدم رؤية الأيدي العلنية والخفية لأمريكا و”إسرائيل” في التطورات الإقليمية خطأ كبير. ومن الواضح أنه، على حد تعبير وزير الخارجية التركي، “يجب تحرير المنطقة من ثقافة هيمنة دولة واحدة على الدول الأخرى؛ لا العرب ولا الأتراك ولا الأكراد ولا الإيرانيين؛ لا ينبغي لأي طرف أن يسعى إلى السيطرة على الطرف الآخر، أو التسبب في الاضطرابات، أو التهديد”. ولكن ماذا عن إسرائيل؟!!.