سناب باك نووية.. بين الفتوى وحبائل الدبلوماسية..!

حسين الذكر

مع ان القرار الاممي ( تفعيل الية الزناد ) يعني اعادة تفعيل جميع العقوبات السابقة ضد ايران دخل حيز التنفيذ الا ان وقعه على الايرانيين لم يكن كما كان وقعه الاول .. بمعنى آخر ان المتتبع لوسائل الاعلام سواء الغربية منها والتابعة لها او الايرانية لم تتعاطى مع القرار الاممي الجديد بما كان يحدث بخصوص ردات الفعل العالمية والايرانية السابقة سيما عند انسحاب ترامب المرة الاولى من اتفاق 2015 بين ايران ومنظمة الطاقة الذرية .. مما يؤشر او يوحي الى ان نوافذ الدبلوماسية لم تغلق بعد او بالاحرى ان الدبلوماسية المسبقة قد اغلقت نيران الحرب بشكل رسمي .

منذ 1979 ضل العداء الغربي قائم لايران على اعلى المستويات وتفعيل عدائه واضح في الاعلام الشعبي والرسمي الغربي والموالي له .. كما ان العقوبات تعد مفعلة عمليا منذ ذلك التاريخ حتى اليوم .. فضلا عن خلق اجواء معادية لايران ورفض مقبوليتها واندماجها في المحيط الاقليمي والدولي فدائما ما نرى ونقرا تصيد وتضخيم لكل حدث اتجاه ايران .. سواء كانت حروب بالوكالة او عبر المنظمات الدولية والاتفاقات الاقليمية او بالحرب المباشرة كما ختم المشهد بحرب الاثنى عشر يوم الاخيرة التي لم تعرف حقيقتها ووقع تاثيراتها على الطرفين ولم تتكشف التفاصيل السياسية والاثار العسكرية .

خلال عقود خمسة خلت من عمر العهد الايراني الاسلامي الجديد وهي مدة ليست قصيرة في تاريخ السياسة الحديثة وعصر العولمة اذ قاربت نصف قرن متزامن مع اوج الاستكشافات التقنية واستخدامات التكنلوجية بمختلف مجالات الحياة سيما العسكرية والامنية منها .. ظل البرنامج النووي الايراني خفيا مخيفا للعالم الغربي عامة واسرائيل خاصة فلم تعرف حقيقته وقوة مدياته وفاعليته برغم كونه الملف الاشهر بين الغرب وايران منذ 1980 .. وظل هو العنوان الاول في راس اولويات العلاقة الغربية الايرانية لم تغط عليه الا فترة قصيرة حلال حربي الخليج الاولى والثانية ..

عدا ذاك ظل الملف قائم ويشكل نقطة خلاف جوهرية بين الاطراف المعنية حتى لملم بعض اوراقه المعلنة – وليس الخفية – بعد مفاوضات 2015 اذ نجح المفاوض الايراني بقيادة الدبلوماسي الالمعي د . محمد جواد ظريف بالتوقيع على نسخة اتفاق بين ايران والعالم الغربي مؤيدة بمجلس الامن يحفظ لاطرافه الحد الادنى والممكن مما سمي بالمصالح الحيوية ويبدد المخاوف والقلق مع انه ظل غامضا في تفسير بعض تفاصيله ( العلنية وربما السرية ) .

في ولاية ترامب الثانية اظهر الرئيس الامريكي صلابة وتشدد ازاء ايران عبر عنه بشكل واضح ازاء زيارته للمنطقة التي سبقت الهجوم الاسرائيلي على ايران وقد عدت الضربات الاسرائيلية بمثابة ايفاء بالتزام لتعهدات امريكية لاطراف دولية واقليمية .. وقد جاء الرد الايراني اقوى مما متوقع حتى انه اسهم بتقليص عمر المعركة وصناعة اجواء اسهمت بوقف المواجهة باتفاق يعد اكثر غموضا ولا يختلف كثيرا عن غموض الاتفاقات الدبلوماسية .

الغريب ان شيء لم يرشح عن الضربات الاسرائيلية والامريكية للمنشئات النووية الايرانية حتى الجانب الايراني لم يفصح بشكل علني عما جرى واصاب منشئاته .. فيما سكت العالم الغربي حتى نطقت الدبلوماسية باتفاق القاهرة بين ايران ومنظمة الطاقة الذرية الدولية بواسطة مصرية مما ازاح شبح عودة الحرب العسكرية المباشرة وما تعنيه من ويلات وآثار متوقعة على السلم الاهلي العالمي .

صحيح ان عراقجي قال معلقا على تفعيل العقوبات الاممية : ( إن بلاده ستوقف اتفاقاً مبرماً مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية يتيح لمفتشيها دخول المواقع النووية الإيرانية بعد تصويت مجلس الامن على تفعيل الية الزناد ) . الا ان ذلك سيبقى مجرد تصريحات دبلوماسية تخفي ورائها الكثير في ظل اجواء تصاعدية محمومة مع ان الواقع السياسي يشير الى ابعد مما تتناقله وسائل الاعلام التقليدية سيما في ظل وجود روسيا والصين والمشهد الجيوسياسي المتغير والاتفاقات التي عقدها الرئيس الايراني مسعود بزكشيان في مجموعة الدول الاسيوية الاقتصادية وقمة شنغهاي.

الرئيس الايراني من جانبه مستفيدا من حضوره في نيويورك صرح فيما يخص تفعيل الية الزناد قائلا : ( عقدنا اجتماعات مهم في الامم المتحدة كما عقد فريق سياستنا الخارجية والدكتور عراقجي اجتماعات مع ممثلي مختلف الدول من أوروبا إلى الدول الإسلامية، وفي النهاية سوف لن تسقط السماء على ارضنا ) .

كما هو متوقع الرد الايراني الرسمي لم يتاخر فقد اتهمت طهران الدول الأوروبية الثلاث بـ”التواطؤ” مع الهجمات الإسرائيلية معتبرة أن تلك الاعتداءات تشكّل جريمة عدوان تستوجب المساءلة الدولية كما وصف عراقجي عبر منصة «إكس» الخطوة الغربية بأنها إجراء باطل .

كما اشار رئيس البرلمان الايراني : انه لا توجد دولة ملزمة بالامتثال للقرار الاخير لذا لا تعتبر إيران نفسها ملزمة بالامتثال لهذه القرارات غير القانونية .

القيادة الايرانية على اعلى المستويات شددت على ان هناك ملفين لا يمكن التنازل عنهما ايرانيا الاول هو الفتوى الدينية من اعلى سلطة ايرانية بتحريم صناعة السلاح النووي – في ظل الاجواءالسائدة الان وربما تتغير وفقا للمتغيرات الوجودية – والاخرى عدم تنازل ايران عن حقها في تخصيب اليورانيوم والافادة السلمية من برنامجها الذي تقول انه اسس وفقا للحقوق والواجبات المعترف بها دوليا .

بهذا الاتجاه وفي اشارة توحي بالكثير ويمكن تفسر المستقبل بشكل اوضح ذكر عراقجي : ( العقوبات التي انتهت لا يمكن إحياؤها، وأي محاولة في هذا الصدد باطلة وعديمة الاعتبار ) .

في اشارة دبلوماسية واضحة الدقة ويجب ان تلتقط وتقرا من هذه الزاوية حصرا اذ ان تحريك العقوبات الجديدة ما هو الا اصدار شهادة وفاة اممية للاتفاق القديم بين ايران ومنظمة الطاقة الذرية الذي اعتراه الخلل وفقد الكثير من حيويته منذ خروج امريكا منه بقرار شخصي من الرئيس ترامب ..

وما الحرب الاخيرة ذات ال 12 يوم بين اسرائيل وايران وما اعتراها من غموض في كثير من اوجه المواجهة الا مقدمة لانطلاق مفاوضات ماراثونية جديدة بين ايران والغرب من اجل عقد اتفاق جديد ينسجم ويتسق مع سياسات وتقسيمات اقطاب القوة العالمية الجديدة .

المزيد من المشاركات
اترك تعليقا