أمريكا بين اقتصاد يتهاوى وإغلاق حكومي بصبغة سياسية..!

انتصار الماهود

لا ينفك هذا الرجل بافتعال الأحداث، من أجل أن يبقى تحت دائرة الضوء مهما كانت التكلفة حتى لو تضرر الآلاف بل الملايين من المواطنين، وها هو الإغلاق الحكومي الأمريكي قد قدم سبباً جديداً وعلى طبق من ذهب، ليكون ترامب هو المتصدر في الإعلام، فلا زال هذا الرجل يدير الدولة بعقلية رجال الأعمال الساعين للصفقات والباحثين عن الشهرة، وليست بعقلية رجل دولة وسياسة محنك، ومن الغريب أنه يحظى بتأييد الكثير من المواطنين في بلده.

ربما البعض سيتسآل ما هو الإغلاق الحكومي وكيف سيؤثر على الاقتصاد الأمريكي

الإغلاق الحكومي هو إجراء تتخذه الحكومة الأمريكية، حين يتوقف عمل الحكومة الفيدرالية أما جزئياً او كلياً، بسبب انقطاع التمويل اللازم لوكالاتها وبرامجها وهذا يحدث لعدة أسباب، ربما أبرزها فشل إتفاق الكونغرس والرئيس الأمريكي في إقرار الميزانيات اللازمة قبل انتهاء السنة المالية.

لنركز جيداً جهة تعرقل عمل الجهة الأخرى، والطرفان حكوميان وبيدهما مصير الملايين من المواطنين، والسبب هو عدم الاتفاق أو التوافق السياسي, وهذا يعني أن التوافقات السياسية وتوازنات القوى موجودة أيضا في دولة، المفترض انها ديمقراطية وهي الراعي الأول لحقوق الإنسان، لكنها تعرقل الحقوق في حال وجود خلاف بين الرئيس والكونغرس بسبب مصالحها، والذي انعكس على الحياة العامة وسبب شللاً في بعض مفاصل الدولة، هذا عدا القلق الذي تسبب به ترامب لأكثر من 128 مليون أمريكي، بسبب خوفهم من ضياع مدخراتهم التقاعدية نتيجة لسياسة الإغلاق الأمريكية.

الإغلاق عادة يصنف الوظائف حسب أهميتها في مفاصل الدولة، والممتلكات والأمن القومي، وهذا النوع من الوظائف عادة يمارس الموظفون وظيفتهم، بدون ان تدفع لهم رواتب أي يبقى يمارس مهنته ثم يتم الدفع له لاحقاً.

أما الوظائف غير الأساسية فهي التي يتم تعليقها مؤقتا فهؤلاء يتم تعليق أعمالهم، ولا يتقاضون رواتب أي الوضع شبيه بإعطاء إجازة إجبارية دون راتب خلال فترة الإغلاق، ويتم تسليمهم أجورهم لاحقاً وتكون باسم الأجور المتاخرة في حال تمت الموافقة على الموازنة.

تعتبر البرامج الإلزامية مثل الضمان الإجتماعي، والتي تملك تمويلاً دائماً من البرامج، التي لا تتاثر بالاغلاق أو قرارات الإنفاق السنوية، أما البرامج غير الإلزامية والتي تعتمد بشكل كلي على التمويل السنوي، مثل القروض الفيدرالية والخدمات الادارية فهي إما تغلق مؤقتا أو تقفل أنشطتها.

الكثير ينظرون الى أن هذا الإجراء هو طبيعي ويحدث سنوياً حتى الاتفاق، على أسس الموازنة العامة إلا أن الواقع يتكلم بلغة الأرقام، فترامب يستغل هذا الإجراء الحكومي لتفكيك وظائف حكومية، أو تغيير الهيكلية في بعض الوكالات التي يسيطر عليها الديمقراطيون، ليكون التغيير في صالحه، والغريب في الأمر انه وجه أكثر من رسالة يتهم الديمقراطيون بأنهم سبب الإغلاق، لأنهم رفضوا الموافقة والدعم( للميزانية النظيفة) كما وصفها في رسالته، أو أنهم يطالبون بتعديلات معينة لا تتناسب مع كيفية إدارته للدولة، بل ذهبت إدارة ترامب أبعد من ذلك، حيث أصدرت مذكرات تطلب من الوكالات الاستعداد لفصل الموظفين بشكل دائمي إذا لم يتم إقرار التمويل المناسب.

وكأن أمريكا لم تكن لديها من المشاكل ما يكفي حتى تدخل في هذا النفق، فالاغلاق الحكومي ليس مجرد أزمة إدارية بين حزبين يديران البلد، بل هذا واقع ملموس لسوء إدارة ترامب وانعكاس لسياسات اقتصادية فاشلة، تراكمت منذ عهد ترامب الاول واطلاقه لوعود متخبطة دون أن تكون مبنية على أسس استراتيجية حقيقية.

هذه السياسات أغرقت أمريكا في ديون متصاعدة، ودفعت واشنطن لحروب استنزاف أرهقت اقتصادها كحرب اوكرانيا، كما حدث في عهد سابقه جو بايدن، والتي تسلمها ترامب ليحاول أن يحلها باسرع وقت وأقل ضرر، إضافة لمحور ضغط جديد يواجه واشنطن، وهو تراجع قوتها الاقتصادية أمام التنين الصيني، الذي تمكن من ترسيخ وجوده وقيادته للنظام الاقتصادي الجديد.

لذا الإغلاق ليس عرض مؤقت هذه المرة، بل هو فقدان للرؤية الاقتصادية والسياسية في واشنطن وفشل ذريع في القيادة المالية.

المزيد من المشاركات
اترك تعليقا