الصين والولايات المتحدة

ترجمة علاء عبد الرزاق

لقد كان لتمتين عرى التحالف الاقتصادي والاستراتيجي بين الصين وروسيا منذ العام 2022 طبقا لمبدأ شراكة بلا حدود وبلا مناطق محظورة تأثير بعيد المدى ولا سيما من زاوية تهديد المصالح الامريكية وهو امر لا يمكن لواشنطن ان تتركه بدون مواجهة.

وعلى الرغم من وجود جملة من الخلافات التي كان بعضا منها ذا طابع تاريخي فقد بان للجميع طبيعة العلاقة الوثيقة التي تربط بن بكين وموسكو وسعي زعيمي البلدين لقيادة تغييرات لم يشهدها قرن من الزمان ولقد اسفرت اللقاءات المتكررة بينهما عن جملة من التصريحات التي بينت معارضة القطبين لما يمكن تسميته بالهيمنة الامريكية والسعي لبناء نظام دولي أكثر عدلاً، ولم يكن اعتباطاً تقديم بكين لمساعدات ضخمة لموسكو في حربها ضد أوكرانيا وكانت على شكل تقنيات مزدوجة الاستخدام بتطبيقات عسكرية وتجارية بالإضافة لمشتريات الغاز والنفط الروسيين،

ومع ذلك، لا تزال القيادة الصينية متضاربة بشأن روسيا، حيث تخشى التورط في مخططات بوتين المتطرفة المناهضة للغرب، وتنظر بقلق إلى احتمال نشوب حرب باردة لا تريدها الصين ولا تعرف كيف تخوضها. لا ترغب بكين في الالتزام بتحالف صيني روسي رسمي، وتقاوم بشدة فكرة انتمائها إلى “محور” من نوع ما مع روسيا وكوريا الشمالية وإيران. ويشكل نظام كيم جونغ أون في بيونغ يانغ بشكل متزايد المصدر الرئيسي للانزعاج في بكين. في يناير/كانون الثاني 2025، شاركتُ في مناقشاتٍ في بكين وسانيا، الصين، نظمتها جامعة تسينغهوا، وكان الهدف منها أن تكون شكلاً من أشكال دبلوماسية المسار الثاني، وهي ممارسةٌ تلتقي فيها جهاتٌ فاعلةٌ في المجتمع المدني غير الحكومي من مختلف البلدان لمناقشة العلاقات بين حكوماتها. جمع هذا الحوار أكاديميين ومسؤولين كبارًا ودبلوماسيين سابقين من الصين وروسيا والولايات المتحدة، لإجراء محادثاتٍ ساخنةٍ ومثمرة.

ولقد برزت فكرة لافتة من بين طيات هذه المحادثات بينت وبشكل جلي الأسباب التي تدفع ببكين لعدم الرغبة ببناء تحالف ثلاثي مع روسيا وكوريا الشمالية وهو ان مثل هذا الترتيب سيتطلب قيادة استراتيجية من الصين وهي بالمقابل غير مهتمة بشكل كبير بمثل هذا الدور وكان قادة الصين غير واثقين من تحالف يجمع شركاء غير موثوق بهم في صراع ضد الغرب فقادة الصين يدركون حتماً التكاليف الباهظة لمثل هذه المواجهة ويحرصون على التحوط في أي قرار او خيار قد يؤدي لمثل هذه المواجهة ،وقد زادت دبلوماسية الرئيس دونالد ترامب غير التقليدية، التي تجمع بين الخطاب المتشدد والتهديدات بالحرب الاقتصادية ووعود التعاون بين القوى العظمى مع الصين وروسيا، من حالة عدم اليقين في بكين بشأن توجه الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، لدى واشنطن فرصة ذهبية لاختبار نوايا الصين من خلال جهود دبلوماسية متجددة، حتى في الوقت الذي تستعد فيه لاحتواء الموقف.

 

ندم الزعيم

لم تقم الصين بتشجيع الزعيم الكوري الشمالي على التوجه التام نحو روسيا ولا سيما ذلك التوجه الذي اثمر عن توقيع معاهدة تحالف مع روسيا في حزيران من عام 2024 والتي تقم فيها بيونغ يانغ باي نوع من التشاور مع بكين بشأنها ولم تبدي الصين ارتياحها للتدخل العسكري الكوري في حرب أوكرانيا والمتمثل  بنشر حوالي 10,000 جندي كوري شمالي في منطقة كورسك الروسية، لصد توغل أوكراني. ولقد أظهرت هذه الخطوة أن كيم مستعد وقادر على التصرف بشكل مستقل عن بكين، حتى مع استمراره في الاعتماد على التجارة مع الصين لبقاء نظامه. وكان تدخله في الحرب الروسية مع كييف نوعا من اظهار نظامه وكأنه ليس تابعاً للصين باي حال.

لا يبدو ان الصين ترغب في انشاء تكتل في شرق اسيا خشية من ان يدفع مثل هذا التحالف كلا من اليابان والولايات المتحدة وكوريا الجنوبية لبناء تكتل أكثر عدائية تجاهها. كما يقلق الصينيون، أكثر بكثير من الروس، بشأن البرنامج النووي لكوريا الشمالية. لقد استسلم الروس عمليًا لفكرة امتلاك كوريا الشمالية للسلاح النووي. لكن بكين، إذ ترى الآثار الجانبية المحتملة في اليابان وكوريا الجنوبية – اللتين قد تُدفعان لبدء برامج نووية خاصة بهما – قد تكون حريصة على استئناف محادثات نزع السلاح النووي مع بيونغ يانغ، حتى لو بدا هدف إخلاء شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي بعيد المنال. ولقد أعرب بعض المشاركين الصينيين عن قلقهم إزاء التشدد الكوري الشمالي، بما في ذلك احتمال قيام نظام كيم باستفزازات عسكرية ضد كوريا الجنوبية. ومن غير المستغرب أن تخشى الصين أن تجرها إلى صراع  دولي دولة تابعة مضطربة، وغير متوقعة، وغير موثوقة عمومًا – سواء كانت كوريا الشمالية أو روسيا. كما إن تحفظ الصين على مسألة الدفاع عن بيونغ يانغ ليس بالأمر الجديد. فعندما زار الأمين العام للحزب الشيوعي الصيني، جيانغ تسه مين، كوريا الشمالية في مارس/آذار 1990، وعده الأمين العام كيم إيل سونغ بأن “الشعب الكوري سيواصل رفع راية الثورة والاشتراكية بثبات… وسيقاتل جنبًا إلى جنب مع الشعب الصيني في سبيل القضية المشتركة لبناء الاشتراكية”. كان يأمل أن تقود الصين، بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، النضال من أجل القضية الشيوعية. لكن بكين، التي لم تكن في عجلة من أمرها لرفع راية الاشتراكية السوفيتية المتروكة، ترددت، وركزت بدلًا من ذلك على الإصلاح الاقتصادي وسياسة خارجية براغماتية، عُرفت باسم “تاوغوانغ يانغ هوي” (أي “إخفاء القدرات وانتظار الفرصة”). ولقد أقامت الصين علاقات دبلوماسية مع كوريا الجنوبية، ورغم أن بكين لم تقطع علاقتها مع بيونغ يانغ، إلا أن العلاقة لم تستعد أبدًا حميمية الحرب الباردة المبكرة، عندما قاتل الطرفان معًا ضد الولايات المتحدة. ولن تكون الصين وكوريا الشمالية مرة أخرى أبداً، على حد تعبير الزعيم الصيني ماو تسي تونج، “قريبة كالشفتين والأسنان.

 

هل هي حرب باردة جديدة؟

يمتلك المؤرخين جملة من الإجابات المتضاربة حول أسباب اندلاع الحرب الباردة بين القوتين العظميين بعد نهاية الحرب العالمية الثانية فهل كانت شرارتها برغبة حقيقة من ستالين ام انها كانت بمثابة حادث غير مقصود ويبدو ان ما أراده ستالين هو تسوية بين القوى العظمى والولايات المتحدة والتي يتم بموجبها احترام ميادين النفوذ المشروعة لكل من موسكو و واشنطن وبدأ النزاع حينما اختف ستالين وترومان حول امتداد مجال النفوذ المشروع لموسكو في أوروبا واسيا وعلى هذا الأساس فقد سعت واشنطن في تلك الحقبة لاحتواء أي تحرك روسي لتوسع النفوذ في أوروبا واسيا، ولعل المأزق الذي تعيشه بكين اليوم هو أنها لا تعرف كيف تطمئن الولايات المتحدة بأنها لا تسعى إلى حرب باردة أخرى حتى وهي تستعد بنشاط لشنها. إن البناء النووي المتواصل للصين، وعمليات التجسس العدائية، وخطابها المتشدد، والأهم من ذلك كله، دعمها لروسيا، يشير إلى أن شي قد اتخذ قراره بالفعل، وأن المواجهة مع الولايات المتحدة أمر لا بد منه.

لا  بد من القول ان  علاقات الصين مع روسيا وكوريا الشمالية لا تزال مفيدة في صراعها ضد الهيمنة الغربية. ويؤمن الاستراتيجيون الصينيون بمصطلحات جيوسياسية بسيطة: الولايات المتحدة، زعيمة الغرب، تحاول إضعاف الصين؛ وبوتين يواجه الغرب بحربه في أوكرانيا؛ وبالتالي، فإن بوتين يساعد الصين، ولا يمكن التضحية به. وبالمثل، لن تتخلى الصين تمامًا عن كوريا الشمالية، ليس لأنها توافق على كيم، بل لأنه لا يزال سلاحًا قيّمًا ضد الولايات المتحدة. من ناحية أخرى، فإن المبالغة في الاستثمار في العلاقة مع روسيا المتشددة من شأنها أن تُحاصر بكين. لقد أضرّ احتضان شي الأخوي لبوتين بمكانة الصين في أوروبا: وعلى هذا الأساس فقد انتقدت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك الصين في ديسمبر 2024 “لمعارضتها “مصالحنا الأوروبية الأساسية بمساعداتها الاقتصادية والعسكرية لروسيا”، وضغط الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على شي لتقليص دعم موسكو خلال محادثاتهما في مايو 2024. ونظرًا لأن قيمة العلاقات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروبي تبلغ 762 مليار دولار، وقد أصبحت أكثر أهمية في ظل الركود الاقتصادي الصيني، يجب على الاستراتيجيين في بكين أن يسألوا أنفسهم عما إذا كان الاستقطاب الاقتصادي الذي سيصاحب الحرب الباردة الناشئة يصب في مصلحة الصين حقًا. من جانبه، بذل وزير الخارجية وانغ يي جهدًا كبيرًا في مؤتمر ميونيخ للأمن في فبراير 2025 لطمأنة القادة الأوروبيين بأن بكين لا تخطط للإطاحة بالنظام العالمي القائم. ومع ذلك، وكما أظهرت تجربة القرنين الحالي والماضي، فإن الروابط الاقتصادية لا تستبعد الصراع بين القوى العظمى. أظهرت مقامرة بوتين المتهورة في أوكرانيا استعداده للتضحية بعلاقاته الاقتصادية المربحة مع أوروبا من أجل المجد. ولا يمكن لأي دبلوماسي أو أكاديمي صيني، مهما كانت علاقاته، أن يتحدث بثقة نيابةً عن شي جين بينغ، الذي قد يختار، مثله مثل بوتين، المواجهة مع الغرب.

 

 

 

 

كل كلمة لها قيمة وثمن

 

من أهم الطرق التي سيُظهر بها الرئيس الصيني  نواياه تجاه الغرب هي المسار الذي سيتخذه تجاه تايوان. فقد أعلن في رسالته بمناسبة رأس السنة الجديدة 2025: بانه “لا يمكن لأحد أن يقطع أواصر القرابة بين تايوان والبر الرئيسي، ولا يمكن لأحد أن يوقف إعادة توحيد الصين”. ومثل أسلافه، رفض شي التخلي عن إمكانية استخدام القوة لتوحيد الصين وتايوان. ولكن على عكسهم، أضفى على تعليقاته طابعًا ملحًا، كما لو أنه قد حسم أمره بشأن غزو تايوان وينتظر الفرصة المناسبة، ومع ذلك، من الممكن أن يكون شي مترددًا حقًا، ويترقب رد الفعل الأمريكي. وهنا أيضًا، تنطبق دروس الحرب الباردة. أخطأ ستالين بشدة في تقدير رد واشنطن على الغزو الكوري الشمالي لكوريا الجنوبية عام ١٩٥٠، ويعود ذلك جزئيًا إلى استنتاجه من المعلومات الاستخباراتية التي جُمعت من خلال اعتراضات الكابلات أن الولايات المتحدة لن تتدخل للدفاع عن كوريا الجنوبية. لقد فشل في التنبؤ بكيفية تطور تصورات واشنطن للتهديد وسياساتها ردًا على تحركات موسكو العدوانية. كان بإمكان شي أيضًا أن يستنتج أن واشنطن ليست جادة بشأن دفاع تايوان ويتصرف بناءً على ذلك. وكما هو الحال مع  ستالين، قد يخطئ في حساباته، مما قد يؤدي إلى عواقب أكثر مأساوية على العالم.

وكما كانت تصعيدات الحرب الباردة عرضية وتدريجية، مع لحظات توتر تتخللها جهود لتصحيح الأمور، فإن العلاقات الأمريكية الصينية اليوم ليست بعيدة عن الإصلاح، حتى لو كانت بعيدة جدًا عن طريق المواجهة. إذا لم ترغب الحكومة الصينية في الانتقال من تعلم الحرب الباردة إلى خوض حرب جديدة، فلا ينبغي لها أن تتصرف كما لو أنها لا تريد حوارًا مع الولايات المتحدة. واجه نيكولاس بيرنز، السفير الأمريكي لدى الصين خلال إدارة بايدن، عوائق دبلوماسية، ولم يكن لديه سوى قدر ضئيل من التواصل مع صانعي السياسات الصينيين. وقد رفضت الصين جهود البنتاغون للحفاظ على الحوار العسكري، ورغم أن وزير الدفاع السابق لويد أوستن التقى أخيرًا بنظيره الصيني دونغ جون في أيار من العام 2024، إلا أن الاتصالات لا تزال متقطعة. قد يكون هذا التجاهل وسيلة للتعبير عن استيائها مما تعتبره الصين تشددًا من جانب واشنطن، ولكن، عن قصد أو بغير قصد، فإنه يبعث برسالة أخرى: وهي ان بكين مصممة بالفعل على حرب باردة جديدة.

 

ترميم العلاقات الصينية الامريكية قضية حتمية

يفترض على بكين ان تعطي إشارات واضحة لواشنطن علنا او عبر قنوات خاصة بانها لا تميل البتة لغزو تايوان على الأقل في المستقبل المنظور وينبغي عليها كذلك ان تخفف من حدة خطابها العلني حول إعادة توحيد الامة الصينية لتوفر أساس لبناء الثقة الذي تشتد الحاجة اليه بشكل كبير.

كما ينبغي على بكين أن تُوضح أنها لا تسعى إلى تحالف مع موسكو. إن شراكة “بلا حدود”، التي أثارت قلقًا بالغًا في الغرب دون أن تُحقق مكاسب للصين، تُذكرنا بأن ما تقوله بكين عن علاقتها بروسيا يُمكن أن يُؤثر بشكل مباشر على تصورات الغرب للتهديد. إن اختفاء لغة “مناهضة الهيمنة” من التصريحات الصينية الروسية لن يُبدد مخاوف الولايات المتحدة من محور ناشئ، ولكنه على الأقل سيُضعف الأدلة القوية على هذه المخاوف.

 

والأهم من ذلك، ينبغي على قادة الصين أن يُشاركوا بشكل مباشر أكثر في المساعدة على إنهاء حرب روسيا في أوكرانيا. بصفتها المشتري الرئيسي للهيدروكربونات الروسية والمورد الرئيسي للسلع الصناعية والاستهلاكية لروسيا، تتمتع الصين بنفوذ اقتصادي كبير في هذه العلاقة، ويمكنها توظيفه لتشجيع بوتين على قبول وقف إطلاق النار. لن يتعارض تجميد الصراع مع مصلحة الصين في تجنب التصعيد في أوكرانيا، بل سيُسهم في استقرار العلاقات مع أوروبا، بل قد يُمثل مجالًا للتداخل بين بكين وإدارة ترامب، التي أبدت اهتمامها بوقف إطلاق النار بغض النظر عن التوصل إلى تسوية شاملة للحرب. وبالنظر إلى تعليقات وانغ في ميونيخ بأن “على جميع الأطراف وجميع أصحاب المصلحة، في الوقت المناسب، المشاركة في عملية محادثات السلام” ونية ترامب إجراء محادثات سلام مع روسيا، فقد حان الوقت الآن للصين للتعبير عن اهتمامها بإجراء حوار مباشر وموضوعي مع الولايات المتحدة بشأن الحرب في أوكرانيا.

 

التعلم من التجارب السابقة

عندما بدأت الغيوم تخيم على العلاقات الأمريكية السوفيتية عام ١٩٤٥، توقع الرئيس هاري ترومان بثقة أنه سيحقق مراده بنسبة 85%، لأنه، كما قال حينها  “كان الاتحاد السوفيتي بحاجة إلينا أكثر مما كنا بحاجة إليهم”. لكن الواقع كان أكثر تعقيدًا. فخوفًا من أن يفسر الأمريكيون أي تنازلات سوفيتية على أنها ضعف، أصدر ستالين تعليماته لوزير خارجيته، فياتشيسلاف مولوتوف، “بإظهار عناد تام”. واليوم، لا تستطيع الولايات المتحدة، التي تفتقر إلى احتكار نووي وتواجه خصمًا أقوى بكثير في الصين، أن تطمح إلى معدل النجاح الذي توقعه ترومان. لذا، فإن الدبلوماسية النشطة هي أفضل أمل لواشنطن لتخفيف، وربما حتى عكس، الانزلاق إلى المواجهة مع بكين.

ولعل اهم صور هذه الدبلوماسية النشطة هي:

أولًا، ينبغي على الولايات المتحدة مضاعفة جهودها لثني تايوان عن إعلان الاستقلال، وهي خطوة مزعزعة للاستقرار للغاية وستكون لها عواقب وخيمة على شرق آسيا والعالم. يمكن لواشنطن أن تربط دبلوماسيتها تجاه تايوان بتطمينات خاصة من الصين بأنها لن تغزو الجزيرة التي بقيت تحظى بدعم غربي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

 

وفي الوقت نفسه، ينبغي على الولايات المتحدة أيضًا أن تُبلغ الصين صراحةً بأن واشنطن ستُجبر على الاستعداد لصراع حول تايوان ما لم تُظهر بكين، من خلال تصريحات علنية واستعداد واضح للمشاركة في تدابير بناء الثقة في شرق آسيا، أنها لا تسعى إلى حرب باردة أخرى. ويمكن أن تشمل هذه التدابير الرد على دعوة ترامب للحد من التسلح، وتطوير الاتصالات العسكرية، والامتناع عن التدريبات العسكرية الاستفزازية.

 

الدبلوماسية النشطة هي أفضل مسعى لواشنطن للحد

 من الانزلاق إلى المواجهة مع بكين

 

عندما كان هنري كيسنجر مستشارًا للأمن القومي ووزيرًا للخارجية في عهد الرئيس ريتشارد نيكسون، وبخ الديمقراطيين لترويجهم حقوق الإنسان للاتحاد السوفيتي. لقد أدرك عن حق أن مثل هذه المواقف تُزعج السوفييت وتُصعّب العمل الدبلوماسي . ومع ذلك، فقد حقق انتصارات هائلة على الاتحاد السوفيتي عن طريق ريادته في التقارب مع الصين وتفوقه على الكرملين في الشرق الأوسط. ينبغي على الولايات المتحدة الآن أن تستلهم نهج كيسنجر في تعاملها مع الصين، وأن تمتنع عن إلقاء المحاضرات على بكين بشأن القيم الديمقراطية، التي تُقلق قادة الصين ولا تُسهم كثيرًا في تحسين حقوق الإنسان هناك. يبدو أن ترامب يميل بطبيعته إلى تجنب هذا الموضوع، لأنه لم يتاجر قط بلغة أسلافه الليبرالية وتطبيقها على المستوى الدولي.

كما ينبغي على ترامب أن يعرض على الصين دورًا مباشرًا في جلب روسيا إلى طاولة المفاوضات لإنهاء الحرب في أوكرانيا. فبكين لديها بالفعل ممثل رئيسي لروسيا وأوكرانيا، وهو السفير لي هوي، وقد أصدرت بالفعل بيانات حول الحاجة إلى حل سلمي. بدعوة بكين إلى المفاوضات، يمكن لترامب أن يختبر حسن نية الصين، وفي حال التوصل إلى اتفاق، سيضمن أن للصين مصلحة في تطبيق وقف إطلاق النار.

لقد مرت في شباط من العام 2025 الذكرى الخامسة والسبعين لتوقيع معاهدة التحالف الصينية السوفيتية. في الواقع، كان هذا التحالف، الذي بدا منيعًا، ممزقًا بالتناقضات الداخلية، ولم يدم سوى عشر سنوات تقريبًا قبل أن ينهار في سحابة من الاتهامات المتبادلة بالخيانة. إن قرار الصين بالسعي نحو التحديث والتنمية بالشراكة، بدلاً من المواجهة مع الغرب، أنقذها من مصير الاتحاد السوفيتي. واليوم، تعمل الصين وروسيا معًا من جديد، لكن علاقتهما ليست تحالفًا، وهي أبعد ما تكون عن “اللاحدود”. ومع احتمال نشوب حرب باردة أخرى، تشعر الصين بالريبة إزاء رغبتها الحقيقية في قيادة محور من العملاء العنيدين وغير الموثوق بهم إلى مواجهة مع الولايات المتحدة. ومن مصلحة كلا البلدين استغلال هذا الغموض لاستكشاف ترتيبات بديلة.

 

 

المزيد من المشاركات
اترك تعليقا