في تصعيد غير مسبوق، تقصف إسرائيل القنصلية الإيرانية، في سوريا والذي راح ضحيته، نخبة من رجال فيلق القدس وعلى رأسهم (الجنرال محمد رضا زاهدي)، بضربة مباغتة و غير متوقعة، فإسرا ئيل لم تعتد في ضرباتها إستخدام أسلوب الإستفزاز المباشر، للجانب الإيراني أو عبور المحرمات معها مهما كان الوضع.
كانت تجري بينهما هنا وهناك مناوشات ومواجهات، غير مباشرة مثل إختراق سيبراني، إستهداف للسفن عن طريق الحوثيين، تزويد رجال المقاومة في جنوب لبنان وفلسطين، بالأسلحة ولم تكن إسرائيل لتواجه تلك العمليات مواجهة مباشرة، بل كانت تتخذ ذات الإسلوب من هجمات سيبرانية، على المواقع النووية الايرانية و إدخال شخصيات إيرانية متنفذة، ضمن قوائم الحظر الدولي من أجل الضغط غير المباشر عليها.
الإ أن الكيان الزائل إستخدم هذه المرة، أسلوب العنف ونقل الصراع من ثانوي غير مباشر، الى حاسم ومباشر بينه وبين إيران، فالحرب لم تعد محصورة بين الفلسطينيين والصهاينة أبدا، فتلك الضربة تعتبر تعدي سافر على أراضي إيرانية، كما هو حال جميع القنصليات والسفارات في العالم، والتي تعتبر جزءً من أراضيها وتتبع سيادتها وقوانينها، علاوة على أن سوريا تخضع لحماية روسيا وإيران، وفي ذات الوقت لن تسمح روسيا بتصاعد التوتر في مناطق نفوذها من جديد، خاصة بعد تحجيم دور داعش وجبهة النصرة هناك.
لقد ضغطت إسرا ئيل بضربتها هذه، بإغتيال النخبة من قيادات فيلق القدس على إيران، لترى لأي مدى ستذهب الأخيرة في الرد، وقد عزا محللون سياسيون ذلك الى أن ضربة إسرائيل، لم تكن الإ لرد أكبر على إيران، التي كانت ولاتزال الداعم الأول والمساند للمقاومة في المنطقة، والتي تعتبر الرادع الأول للكيان العاجز.
رغم أن خطوة التصعيد تلك تعتبر جريئة جدا، الإ أن لها عواقب وخيمة، خاصة انها حدثت في منطقة نفوذ متداخلة بين روسيا وإيران وأمريكا.
فهل ستقبل روسيا أن تكرر إسرائيل ضرباتها في مناطق نفوذها، أم ستتقبل إيران ضربة رادعة كهذه في المستقبل، وما هو موقف أمريكا الداعم الأكبر والمساند للكيان الغاصب، هل ستتقبل فكرة عودة الصراع الى مناطق نفوذها، وتجازف بإشعال حرب من جديد، وفقدان سيطرتها على العراق مثلا، الذي ستميل كفته لصالح إيران في تلك الحرب؟؟.
الكثير من المحللين والمراقبين، بل وحتى الشارع توقعوا أن يكون هنالك رد عسكري إيراني، أعنف وأقوى مباشر على الأراضي المحتلة، بل أن البعض قد صعّد في تحليلاته ومنشوراته، للدفع بالرد العسكري الفوري.
الإ أن للواقع خارطة مختلفة تماما، فإيران ليست بتلك السذاجة، لتستخدم الردع المباشر حتى وإن كان مع الكيان الغاصب، فهناك أطراف صراع وحرب دائرة وأرواح بريئة على المحك، وخيوط متداخلة في حرب الطوفان، لذلك من المستحيل أن يتم تحليل الرد الإيراني، بأنه سيكون ردا مباشرا، لفت البعض، أن الجولان ستكون أنسب بقعة للرد على الصهاينة، خاصة إن الإعتداء تم على إيران من نفس الأراضي السورية، الا أن روسيا وكما ذكرنا لن تسمح بذلك في هذا الوقت، والبعض يؤكد إستمرار الرد عن طريق أذرع المقاومة في لبنان و العراق وفلسطين، خاصة إن حزب الله والمقاومة الاسلامية في العراق، والحوثيين في اليمن قد دخلوا خط الحرب منذ اليوم الأول للطوفان، ورأينا ما فعلته صواريخ حزب الله ومسيرات العراق التي دكت إيلات و عمق الكيان، و بطولة الحوثيين في البحر الأحمر، وكيف شلت حركة الإقتصاد الصهيوني.
إن أي ضربة مباشرة من إيران، سترد عليها بضربة أعنف وأقوى، كما صرح بايدن في آخر لقاء له، عن دعم الكيان بكل الوسائل المتاحة ضد إيران، لو فكرت الأخيرة بالضربة العسكرية المباشرة.
إن تصريح أحد قادة البحرية الإيرانية، الجنرال علي رضا تنكسيري، بإغلاق مضيق هرمز هو إشارة واضحة للإستهداف البحري غير المباشر، لبحر العرب و المحيط الهندي والبحر الأحمر وخليج عدن.
إيران ليست من الغباء لتشعل شرارة الحرب في المنطقة، من خلال الرد المباشر الذي سيجر المنطقة لسيناريو آخر، فالحرب قصيرة الأمد ليست من تخصص صانع السجاد، بل تناسبه حرب الإستنزاف طويلة الأمد، وإستخدام الضربات السيبرانية على منشآته الحيوية، أو تستخدم الحرب النفسية، من خلال الترويج للبدء بضربة مباغتة، دون ان تحدد أين ومتى تضرب وهذا سيسبب توتر عال وهلع ورعب بين صفوف الصهاينة، و إرتفاع التدابير الامنية على المنشآت الحيوية، لافتا الى إن بعض الدول الكبرى، أوصت رعاياها بعدم الذهاب لفلسطين، أو حتى طلبت منهم المغادرة.
إذا الضرر هنا أكبر وأعمق، من مجرد إستهداف مبان أو منشآت وأضرار مادية، و”على كولة أهلنا الخوف يعدل الشوف، واسرائيل راح تبقى مثل الي يناطر الذيب، والناس تصيح عليه إجاك الذيب إجتك الواوية، وتالي لمن لكوه يابس بفراشه الصبح من الخوف مو حبوبة؟! “.
خلاصة الكلام، الآن هو ليس الوقت المناسب للرد العسكري، ولدى النساج الإيراني الكثير من الحيل السياسية والنفسية، في جعبته ليستخدمها في حرب الإستنزاف الطويلة هذه.