قراءة في انتخابات الرئاسة الايرانية

جمعة العطواني

كثر الحديث عن انتخابات الرئاسة في الجمهورية الاسلامية في ايران، بين النخب والمهتمين بالشان الايراني، بين اقصى اليمين واليسار، وقد تم طرح مجموعة من التساؤلات منها :
ما دلالات نسبة المشاركة على قبول المجتمع الايراني للنظام الاسلامي ؟.
ما تاثير شخوص المرشحين على نسبة المشاركة؟.
ما دلالات فوز المرشح الاصلاحي او الاصولي على مقبولية النظام الاسلامي؟.
ما دلالات دعم ايران لمحور المقاومة في اختيار نوعية المرشح وتوجهاته؟.
وغيرها الكثير من التساؤلات .
ولكي تكون القراءة واقعية لابد من استحضار الانتخابات التي سبقت ؛ لنتمكن من الاجابة عنها بموضوعية.

لا نريد الغوص في اعماق تاريخ التجربة الانتخابية في ايران منذ تاسيس الجمهورية الاسلامية، بل نكتفي بمراجعة اخر ثلاث انتخابات جرت في البلاد في اعوام 2013و 2017 و 2021 ، ومن ثم نجري مقارنة واقعية للنتائج الحالية.

في انتخابات عام 2013 كانت نسبة المشاركة 72./. فاز فيها الشيخ حسن روحاني في الجولة الاولى، وحصل على نسبة 50./. وكان هو المرشح الاصلاحي الوحيد تقريبا من بين المرشحين الاربعة، وكان بقية المرشحين من الاصوليين وفي مقدمتهم قاليباف ومحسن رضائي .

اما في انتخابات عام 2017 فقد فاز روحاني في الجولة الاولى ايضا، وكانت نسبة المشاركة فيها 73./. حصل فيها روحاني على نسبة 57./. اذ حصد اكثر من 18 مليون صوتا في مقابل السيد اية الله رئيسي الذي حصل على نسبة 38./. الذي حصد اكثر من عشرة ملايين صوتا .
في انتخابات عام 2021 كانت نسبة المشاركة هي الاقل قياسا بسابقاتها اذ كانت نسبة المشاركة 48./. فاز فيها رئيسي بنسبة 61./. اذ حصد 17 مليون و900 الف صوتا علما ان المنافسين كانوا من الاصوليين ايضا، ولم يشارك اغلب الاصلاحيين في الانتخابات انذاك ومن اهم المرشحين
محسن رضائي حصل على 3 مليون و400 الف صوتا .

في هذه الانتخابات ( 2024) كانت نسبة المشاركة 50./. تقريبا احتاج المرشح الاصلاحي الوحيد الى جولة ثانية للفوز بالرئاسة ، رغم ان كل المرشحين المنافسين هم من الاصوليين على خلاف الدورات التي فاز فيها روحاني، اذ فاز فيهما في الجولات الاولى مع منافسة اكثرمن مرشح اصولي .

حصد الرئيس مسعود بزشكيان 17 مليون بنسبة 54./. مقابل المرشح جليلي الذي حصد 13 مليون بنسبة 46./. بفارق 8./. عن بزشكيان
ومن هذه المقدمة الرقمية يمكن لنا ان نستنج التالي :
1- القول بان فوز المرشح الاصلاحي يعني عدم رضا المجتمع الايراني بالنظام الاسلامي غير دقيق، بدليل ان روحاني قد فاز بدورتين في الجولة الاولى والان يفوز بزشكيان بالجولة الثانية وبنسبة اصوات اقل بكثر من روحاني.

2- الفارق بين جليلي وبزشكيان فقط8./. وهذا دليل على قوة المنافسة، فلو كان انتخاب الاصلاحي يشير الى تراجع مقبولية النظام كان ينبغي ان يكون الفارق كبيرا جدا بين المرشحين .

3- بناءا على من يقول ان العازفين عن المشاركة في الانتخابات لم يشاركوا لانهم يرفضون النظام الاسلامي ، وان الذين صوتوا للاصلاحي هم ايضا رافضون للنظام الاسلامي، فلماذا لم يشارك ال( 50./.) الذين لم يدلوا باصواتهم للمشاركة لصالح الاصلاحي بزشكيان اذا كان التصويت له يعبر عن رفضهم للنظام الاسلامي؟.
4- ان مشاركة المجتمع الايراني في الانتخابات من عدمها ليس بالضرورة نابع من رضا او عدم رضا بالنظام السياسي، ففي كل دول العالم تزداد نسبة المشاركة وتنخفض دون النظر الى هوية النظام السياسي، بقدر ما ان هناك معايير واولويات تحدد نسبة المشاركة من عدمها، ومن اهمها البعد الاقتصادي والحياة المعيشية ومقدار توفير حاجيات الناس من خدمات وفرص عمل وغيرها .
5- نعتقد ان نسبة كبيرة من الناخبين الايرانيين( اسوة ببقية الناخبين في الدول الديموقراطية) ينظرون الى البرنامج الانتخابي للمرشح، دون النظر الى بقية الخلفيات الاخرى، ولا ينتخبون على اساس رضاهم عن النظام السياسي، فالذي يرفض النظام السياسي يجب ان لا يشارك بالانتخابات من حيث المبدا .
4- ان هناك شرائج كبيرة في المجتمع الايراني غير مهتمة بالانتخابات، لانهم يرون في مشاركتهم فيها لا يغير من الواقع شيئا، فهم منشغلون بحياتهم اليومية دون الدخول في تفاصيل العمل السياسي، وهم السواد الاكبر من الناخبين، و هو ما يحصل ايضا في الدول الاخرى .

فالمشاركة في الانتخابات تعبر عن ثقافة ووعي سياسي لدى الناخب، ولا نتصور ان (كل )الشعب الايراني فضلا عن شعوب العالم يمتلكون هذه الثقافة السياسية.
6- قسم اخر من الناخبين يمتلكون وعيا سياسيا وينتخبون على اساس خلفيات المرشح وهويته السياسية والمدرسة السياسية التي ينتمي اليها بغض النظر عن برنامجه الحكومي فهم عقائديون في التصويت .
7- قسم اخر من الناخبين لا ينظرون الى انتماء المرشح السياسي بقدر اهتمامهم بما يتوقعون منه من حلول لمشالكهم الحياتية اليومية، كما ذكرنا، وهؤلاء يتحركون وفق قناعاتهم ببرنامج المرشح .
8- القسم الاخر يتحرك وفق ثقافته الاجتماعية، فينتخب هذا او ذاكز من المرشحين، وبخاصة الطبقات الشبابية المترفة ،
على سبيل المثال عندما صرح الرئيس بزشكيان بضرورة ابداء المرونة في موضوع الحجاب وعدم التضييق على النساء، هذا التصريح حرك مشاعر النساء المتحررات مما شجعهم على الحضور وانتخابه؛ ليحقق لهن ما وعد به، في المقابل استفز هذا التصريح مشاعر الطبقة الاجتماعية المحافظة وبالتالي دفعها للحضور لانتخاب جليلي ليقطعوا الطريق على بزشكيان ، هذا كله يحصل بين الاوساط الواعية والمثقفة من هذا الاتجاه او ذاك.
بالنتجية واهم من يعتقد ان نسبة ( 50./.) ممن لم يشاركوا في الانتخابات هم رافضون للنظام السياسي. بل ان الاسباب متعددة ومختلفة .

كثير ممن لم يشاركوا في الانتخابات ربما حرصهم على النظام الاسلامي اكثر من بعض المشاركين، والعكس صحيح ايضا، فيجب ان لانقيس عدم المشاركة او المشاركة بمقياس واحد.

الاصوليون والاصلاحيون ونظرتهم الى دور ايران في محور المقاومة
————————–
من الاخطاء الشائعة لدى الكثير من المتابعين ان الرئيس الاصلاحي لا يدعم محور المقاومة مقابل دعم الرئيس الاصولي لها ،وهو تصور غير دقيق بالمطلق .
مرت على محور المقاومة سنوات طوال كان على راس السلطة في ايران رجالات اصلاحيون (متطرفون) في مبانيهم، لكن محور المقامة بقي من اولويات السياسة الايرانية الخارجية، وهذاو اضح في ايام روحاني، فلم تتراجع ايران في دعمها لكل رجالات المقاومة في المنطقة، والسبب ان دعم المقاومة ثابت عقائدي وليس براغماتية سياسية تخضع لمزاج هذا الرئيس او ذاك ، كما انه ثابت قومي ووطني في نظر اصحاب المنحى القومي في ايران، فوجود ودعم محور المقاومة يمثل ركيزة مهمة بالنسبة للدولة الايرانية لرسم مستقبل المنطقة والعالم.
كما ان دعم المقاومة في المنطقة من مهام الحرس الثوري وقدس تحديدا، وهذه المؤسسة العسكرية مرتبطة بالامام الخامنئي مباشرة بوصفه القائد الاعلى للقوات المسلحة وهو والمعني بهذا الملف.
السنوات التي ارتقت فيها فصائل المقاومة وامتلكت قدرات عسكرية هائلة في لبنان والعراق فضلا عن سوريا وفلسطين كانت في زمن روحاي الاصلاحي( القُح)_ 2013 -2021).

المزيد من المشاركات
اترك تعليقا