آثارُ بيانِ ومواقفِ المرجعِ السيستانيّ في دعمه المقاومة

محمّد صادق الهاشميّ

في 23-9-2024، أصدر المرجعُ السيّدُ السيستاني بياناً دعم فيه المقاومة ، واصفاً أبطالها بـ «المقاومة الأبطال». كما أصدر بياناً آخر نعى فيه الشهيدَ الفقيد السيّدَ حسن نصر الله، الذي وصفه بـ «العلامة والمجاهد»، مشيداً بجهاده. وقال في البيان: «تلقينا نبأ استشهاد السيّد حسن نصر الله وكوكبة من إخوانه في المقاومة»، مضيفاً: «لقد كان نموذجاً قيادياً نادراً في العقود الأخيرة».
تعبّرُ هذه المواقفُ والبياناتُ عن الآتي:

أّولاً: موقف المرجعية بين التاريخ والحاضر:
لطالما كانتِ الحوزةُ العلميةُ في النجف الأشرف في طليعة النضال والجهاد عبر العصور، سواء في مواجهة الاستعمار العثمانيّ أو الغزو الوهابيّ أو التصدي للأنظمة السياسية المختلفة. من خلال ثورة العشرين ، ومواقف العلماء في البصرة والكوفة، لقد أظهرت الحوزة ثباتاً في نصرة الحقِّ.
اليوم، ومن خلال موقفها الواضح تجاه الصراع في المنطقة بين الصهيونية والشيعة، أكَّدتِ المرجعيةُ عدم اختيار طريق الصمت أو الحياد. بل رسمت مسارها بناءً على الموقف الشرعيّ بدعم المقاومة ضدّ الكيان الصهيونيّ، مانحة الشرعية الكاملة للمجاهدين، ممـَّا عزز من جهادهم ودعمهم. ويأتي هذا الموقف واضحاً للجميع، حيث أعلنتِ الحوزةُ العلميةُ تعطيل الدراسة تفاعلاً مع المقاومة.
جدير بالذكر أنّ المرجعيةَ استخدمت مصطلح «المقاومة» بكلِّ ما يحمله من أبعادٍ سياسيةٍ واستراتيجية وجهادية، تأكيداً على شرعية المقاومة ودور المرجعية الأبوي تجاههم.
ثانياً : تأثير موقف المرجعية على الحوزة:
سيكون موقف المرجعية العليا في النجف الأشرف هو الموقف الرسمي المعتمد في الحوزة النجفية، وسيترك أثره العميق على توجه الحوزة حتّى بعد رحيل المرجع السيّد السيستاني، (أطال الله في عمره الشريف)، فهو يمثـّل مدرسةً فقهيةً ذات وزن كبير وتأثير عميق في الوجود الشيعي بالعراق والعالم الإسلاميّ.
قد تظهر آراء متباينة نتيجة لتقديرات المواقف والمصالح، إلّا أنّ الرؤية الحاسمة تبقى مرتبطة بطبيعة موقف المرجعية ، وعمق دورها في الحوزة العلمية ، وبفضل قوّة وتأثير المرجع السيستانيّ، ستظلّ بصمته واضحةً في توجيه الحوزة المستقبلية، ممـّا يضمن أنْ تبقى الأمّة والحوزة على المسار الصحيح، ويجعل من موقفه منهجاً يُحتذى به.
ثالثاً : عمق الرؤية:
لا شكّ أنّ المرجعية في موقفها انطلقت من أسسٍ شرعيةٍ قويَّةٍ تدعم دفاعها عن المسلمين ، لكن الأهمّ في هذه المرحلة هو إدراكها العميق لطبيعة الصراع الوجودي بين الشيعة وأعدائهم ؛ فقد أدرك المرجع أنّ الخطر الحقيقي يكمن في الهجمة الصهيونية الموجهة ضدّ الشيعة ككيان وأحزاب ووجود سياسيّ وعقائدي. ومن هنا، جاء موقف المرجعية ليمنح المقاومةَ الشرعيةَ، حيث اقتربت بياناتها من إعلانِ الجهادِ، داعمةً ذلك بشكلٍ واضحٍ لا يقبل التأويل. إنّ هذا الموقف محكمٌ وثابتٌ، يعكسُ رؤيةً عميقةً لا تحتمل الشكَّ.
رابعاً : الموقف الحاسم الموحد:
قد تختلفُ تقديراتُ العلماء في تحديد موقف الشيعة من الصراع الراهن، وهذا أمرٌ طبيعيٌّ في المجالس الفقهية عبر التاريخ، لكن يبقى التقديرُ الأهمُّ والمُؤثـِرُ بيد المرجع الأعلى ،فقد تابع المرجع السيستاني العملية السياسية في العراق ، وراقب الأحداث في المنطقة، مُسهماً بدورٍ بناءٍ وتأسيسيٍّ. وقد حدد موقف المكوِّن الشيعيّ من الدولة العراقية منذ بدايات التكوين عام 2003، ورسم مسارها السياسيّ برؤيةٍ حاسمةٍ، حيث أوضح توجّهاته في مواقفَ عديدةٍ ، ولولا تلك المواقف، لكانت الأمّة عرضة للضياع والاستباحة على يدِ داعش والتحديات القادمة من الشرق والغرب.
إنّ المرجع أدرك حجم الخطر ، وأصدر فتوى الجهاد الكفائيّ، التي أسفرت عن انتصاراتٍ كبيرةٍ .
وبالنظر إلى مواقف المرجع السيستانيّ، نجد أنـّها تحمي وتؤسس وترسم وتدعم دور الشيعة في المنطقة، ولا تدعهم يتخلَّفون عن واجبهم ، ولا تسكت أمام التحديات الكبرى. فبفضل مواقفه ودوره، تمَّ دفع الشيعة إلى الأمام ، وإلى التموضع المناسب ضمن السياقات الإقليمية والدولية. وبالتالي، تتضحُ زيف المقولة التي تفيدُ بأنّ الشيعة في غنًى عن الانخراط في حربِ لا تعنيهم، والتي قد تؤدّي بهم إلى مواجهة الاستكبار.
خامساً : أوهام الغرب عن موقف المرجعية:
إنّ الغرب يعلمُ منذ زمنٍ بعيدٍ دورَ المرجعية في النجف الأشرف، لكنه أخطأ في حساباته بشأن الصراع الحالي، معتقداً أنّ النجف تختلف في موقفها من المقاومة. حاولتِ المدارسُ الغربية تصوير حركة المقاومة كظاهرةٍ طارئةٍ على الشيعة، مُطلقةً عليها تسميات مثل «الأذرع الإيرانية» أو «الميليشيات». وقد زعم الإعلامُ الغربيُّ أنّ المقاومة تنتمي إلى «ولي الفقيه»، ولا علاقة لها بالنجف، ولا تحظى بتأييدها.
استمرّ الإعلامُ الغربيُّ في الترويج لهذه الأفكار، لكنّ بيانات المرجع السيستاني أنهت تلك المقولات التي تهدف إلى تفكيك المواقف الشيعية ، وخلق تصوّرات وهمية عن أدوار المدارس الفقهية. وربما كان هذا الوهم والخطأ في تقديرهم هو ما شجَّعهم على مواجهة المكوّن الشيعيّ في لبنان والمنطقة. ومن هنا، تتضحُ مواقفُ المرجع السيستاني التي أفشلت أفكارهم ، وأبطلت إعلامهم، مُثبتةً بشكلٍ قاطعٍ أنّ المرجعية هي حاميةٌ لمصالحِ ودماء الشيعة في هذه المرحلةِ ، وفي جميع المراحل المقبلة، فلا مجال للشكِّ في ذلك.
سادساً : موقف المرجع السيستانيّ عام لكلّ الشيعة:
تتجاوزُ مواقفُ المرجع السيستاني حدود الشيعة في لبنان أو أيَّ جزءٍ جغرافيٍّ آخر من جغرافية الشيعة، حيث تحدد موقف الشيعة بشكلِّ عامّ من الصراع مع الصهيونية، مُحفزةً إيـّاهم على الحفاظ على وجودهم ودمائهم ومكتسباتهم.
إنّ كلّ مكوّن شيعي في المنطقة سيجد نفسه مرتبطًا بالرؤية السيستانية، ومن الجدير بالذكرِ أنّ تلك المواقف والبيانات قد أسست لوعيٍّ سياسيٍّ شيعيٍّ كبيرٍ يُجمع عليه جميعُ المكوّناتِ الشيعية في أيّ بلدٍ يواجه الصراع مع الصهيونية. وقد أطلق المرجع السيستاني على الصهاينة سابقاً لقب «الوحوش البشرية»، مُحدداً الموقف الشرعيّ بأنَّ الحلَّ يكمن في تحرير الأراضي المغتصبة؛ لذا يُلاحظ أنّ الإعلامَ الغربيَّ يصفُ بياناتِ ومواقف المرجعية بأنـَّها «صواريخ نجفية أممية» (معاريف 3-10-2024)، مُشيراً إلى تأثيرها على الأمَّة الإسلامية من خلال رفع مستوى العداء ضدّ الكيان الصهيونيّ. وقد أدّى ذلك إلى قيام القناة الرابعة عشر في الكيان بوضع صورة المرجع السيستاني ضمن بنك الأهداف الإسرائيلية.
في المقابل، كان الموقف الأمريكيّ متمثـّلًا في بيان السفيرةِ الأمريكيةِ في بغداد، حيث رفضت موقف الكيان ، واعتبرت المرجع نقطة التوازن الكبرى، إذ تدرك أمريكا حجم وتأثير الإمام السيستاني على الساحة.
النتائج هي:
1.. اكتسبتِ المقاومةُ الشرعيةَ من جميعِ المدارسِ الفقهية.
2.. أنهى المرجع السيستاني العلاقة الثنائية بين حوزتي قم والنجف بشأن الصراع مع الصهيونية.
3.. أعاد الغرب وأمريكا النظرَ مرّات عديدة في مواقفهم ، ففي بيان المرجع السيستاني، دُعي الغرب إلى إدراك أنّ « للبيت ربَّاً يحميه».
4. يعتبر شيعة المنطقة في حماية المرجعية.
5.. انتهت القراءات والاجتهادات، وسارت الأمّة الشيعية في طريقٍ واحدٍ.
15 / 10 / 2024 م

المزيد من المشاركات
اترك تعليقا