عصر الإمام الخميني
حسن الربيعي
يُعد السيد روح الله الموسوي الخميني (قدس سره) (1902–1989) من أبرز الشخصيات التي غيّرت وجه التاريخ في القرن العشرين، ليس في إيران فحسب، بل على مستوى المنطقة والعالم
يُعد السيد روح الله الموسوي الخميني (قدس سره) (1902–1989) من أبرز الشخصيات التي غيّرت وجه التاريخ في القرن العشرين، ليس في إيران فحسب، بل على مستوى المنطقة والعالم. فقد استطاع هذا المرجع الديني والفيلسوف السياسي أن يقود ثورة شعبية كبرى أطاحت بنظام الشاه عام 1979، وهو النظام الذي كان يمثل ركيزة أساسية للهيمنة الأمريكية في المنطقة، وقد نُصِّب “شرطيًا للخليج” لحماية مصالح الغرب.
أسّس الإمام الخميني الجمهورية الإسلامية في إيران، معيدًا الاعتبار لدور الدين في الشأن السياسي والاجتماعي، ومقدِّمًا نموذجًا جديدًا لحكم إسلامي يجمع بين الأصالة والفاعلية. لقد مثّل صوت المستضعفين في مواجهة قوى الاستكبار العالمي، وعزّز مفهوم “ولاية الفقيه” كنظرية فقهية وسياسية تعبّر عن قيادة إسلامية عادلة تستمد شرعيتها من الدين والأمة.
هذا الطرح لم يغيّر ملامح النظام السياسي الإيراني فحسب، بل ألهم الحركات الثورية والإصلاحية في العالم الإسلامي، وأعاد بعث الأمل بإمكانية إقامة حكم عادل يستند إلى القيم الإلهية.
يُعدّ الإمام الخميني أبرز الشخصيات العالمية في القرن العشرين بتأسيسه منهجًا دينيًا يجمع بين الفكر الثوري والرؤية المهدوية، حيث ارتبط مشروعه الحضاري بفكرة التمهيد لظهور الإمام المهدي (عليه السلام). ومن هذا المنطلق، يمكن وصف القرن العشرين بـ *عصر الإمام الخميني*، لما أحدثه من تحوّل جذري في الوعي الإسلامي والسياسي، وإعادة رسم خارطة الصراع بين قوى الظلم والاستكبار وقوى المستضعفين.
على المستوى الإقليمي، ساهم الإمام الخميني في إشاعة الوعي الإسلامي المقاوم، وتوسيع دائرة الصحوة الإسلامية في العراق ولبنان وفلسطين ودول الخليج وغيرها، فظهرت حركات سياسية وثقافية متأثرة بمنهجه الثوري ومستلهمة من رؤيته الحضارية.
أما على صعيد الصراع العالمي، فقد أعاد الإمام الخميني صياغة صورة المواجهة، حيث لم تعد تنحصر بين معسكرين شرقي وغربي، بل أضاف بُعدًا جديدًا يتمثل في الصراع بين المستضعفين والمستكبرين، وبين الشعوب الباحثة عن العدالة والقوى الإمبريالية المتسلطة، مما أربك حسابات القوى الكبرى وفرض خطابًا جديدًا في السياسة الدولية.
إن تراث الإمام الخميني، رغم ما أثاره من جدل واختلاف، يبقى علامة فارقة في مسار نهوض الأمة الإسلامية، واستعادة هويتها، وتأكيد دور الدين كقوة محركة للتغيير والبناء الحضاري، ومفتاحًا لفهم المستقبل من خلال عدسة الانتظار الواعي والتمهيد الهادف لظهور الدولة الإلهية العادلة.