رسالة الى السيد محمد شياع السوداني رئيس مجلس الوزراء المحترم..!

د. علي المؤمن

سبق أن أرسلت هذه الرسالة المفتوحة إلى الأخ الرئيس السوداني، بعد أيام من تسنمه منصب رئاسة الوزراء. وأعيد الآن نشرها؛ لنحتكم إلى الرأي العام في صحة ما جاء في الرسالة وحجم ما تم تطبيقه منها، بعد مرور سنتين على إرسالها، وهي المدة التي حددتها الرسالة لإحداث التغيير المطلوب:

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ الأستاذ محمد شياع السوداني

رئيس مجلس الوزراء المحترم

بعد التحية

كونك ربيب اضطهاد النظام البعثي وقمعه وظلمه، منذ ولادتك وحتى سقوطه، ورفيق المعاناة والحرمان واليتم، وداعية وابن داعية شهيد، وكونك صاحب تجربة ناجحة وخبرة مميزة في إدارة مؤسسات الدولة، وأن الجميع يشهد لك بالكفاءة والأمانة والنزاهة؛ فهي علامات مشرقة تحسب لك، ومثبتة في سيرتك وصحيفة أعمالك.

ورغم أهمية هذه العلامات، وكونها أهّلتك لمنصب رئاسة وزراء العراق، وستكون قاعدةً لحسن ظن الشعب العراقي بك، لكنها لا تكفي ليعطيك الشعب العراقي شهادة مسبقة بأنك ستكون وكيلاً ناجحاً لخدمته، وأمينا قوياً على إدارة مصالحه، وحاكماً رشيداً لوطنه، وقائداً موفقاً لقواته المسلحة وأمنه؛ فتلك العلامات هي شهادة نجاح لك على مرحلة سابقة، وليست شهادة نجاح مطلقة.

بالتالي؛ انت في امتحان كبير، الآن ومستقبلاً، لكي تحوز على شهادات نجاح حقيقية للمراحل القادمة من ممارستك لوظيفتك الجديدة، وهي الأكبر حجماً والأكثر ثقلاً والأهم نوعاً على مستوى الدولة العراقية؛ إذ سيكون واقع الشعب ومصير الدولة رهن حسن تخطيطك وتنفيذك وأدائك ونزاهتك.

أضع بين يديك بعض الملاحظات، انطلاقاً من التفاؤل بمرحلتك وحكمك، وهي ملاحظات عملية مباشرة، وليست نصائح عامة. ولعل نجاحك في تحويل هذه الملاحظات الى واقع عملي وميداني؛ سيجعلك مصداق الحاكم المؤمن القوي الأمين:

1- سر نجاحك الأول في إدارة الدولة هي استشارة المؤتمنين الأكفاء الأقوياء، والتخطيط العلمي والمنهجي في إدارة الدولة وتنفيذ خططها ومشاريعها. ولعل الحلقات التالية؛ أساسية في هذا المجال:

أ- مدخل الاستشارة والتخطيط السليمين، هو حسن اختيارك فريقك الاستشاري وفريقك التنفيذي، وضرورة الفصل بينهما في مسارات العمل، وأن يكونا على مستوى عال من الكفاءة والنزاهة والقوة والأمانة، والإخلاص للوطن والدولة ولك، وأن تعطي فريقك الاستشاري صلاحية نقدك أولاً، ونقد فريقك التنفيذي ثانياً، ونقد الحكومة ثالثاً؛ ليكون مرآة حسن سيرك وأدائك وأداء الحكومة.

وينبغي أن يتفرغ فريقك الاستشاري للتفكير والتخطيط والرقابة فقط، ومن بينها الرقابة الصامتة على أداء فريقك التنفيذي، لأن أغلب مشاكل الحاكم تأتي من أداء فريقه التنفيذي ومن عدم وجود رقابة عليه، وكذلك من الخلط بين العمل الاستشاري التنظيري التخطيطي وبين العمل التنفيذي. ولكي تختصر على نفسك الانشغال بمتابعة فريقيك؛ ينبغي أن تختار مدير مكتب يتمتع بمواصفاتك نفسها في قوة الإدارة والأمانة والخبرة في شؤون الدولة، ويكون هو مسؤولاً مركزياً مباشراً عن فريقك التنفيذي. كما تختار أحد مستشاريك الأقوياء المفكرين ليكون مسؤولاً مركزياً عن المستشارين وأعمالهم (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

ب- تشكيل مجلس استشاري للخبراء أو الحكماء، من (50) شخصاً، يتألف من قادة الأحزاب وكبار السياسيين والأكاديميين والمفكرين والخبراء، الاقتصاديين والقانونيين والاعلاميين والاجتماعيين، يجتمعون مرة واحدة شهرياً، لتداول شؤون الدولة والحكومة. ومن خلاله تستطيع إشراك حكماء البلد وقادة أحزابه في حل مشاكل الدولة، وتجعلهم داعمين لك (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

ت- تأسيس مركز دراسات حكومي، كبير ونوعي وفاعل، يكون الذراع البحثي والتنظيري والتخطيطي لك وللحكومة والدولة وأجهزتهما. وينبغي أن لا يكون عمل المركز روتينياً ومجرد دراسات للاستعراض العلمي التنظيري توضع على الرفوف، بل تكون دراساته عملية منتجة وللتطبيق، ويكون ذلك من خلال وضع آلية لربط بحوث المركز بفريقيك الاستشاري والتنفيذي، وبالوزارات وأجهزة الدولة، وبمراكز الدراسات الأخرى في الدولة والجامعات.

ومن الأفضل أن يكون مستشارك لشؤون البحث والتخطيط هو رئيس هذا المركز. ولعل من أهم وظائف المركز، وضع خطة لعشرين سنة، لإعادة بناء العراق على كل الصعد، ويتم تقسيمها الى أربع خطط خمسية، من خلال اعتماد منهجيات الدراسات الستراتيجية والمستقبلية والتخطيط المستدام (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

2- صحيح أنك خادم لكل الشعب العراقي، وحاكم لكل العراق، دون تمييز بين مكون وآخر ومحافظة وأخرى ومواطن دون آخر، ولكن؛ ينبغي أن تتذكر في كل لحظة تفكير وتخطيط وعمل، أن مكونك الشيعي يقف وراء وجودك في هذا المنصب، بعد أن رشّحتك كتله السياسية ونصّبتك، وستبقى تدعمك وتحمي ظهرك، وأن لا تنسى أنك شيعي وداعية إسلامي، وأن رمزك الذي يراقبك من عليائه هو السيد محمد باقر الصدر، وأن عين المرجعية العليا تنظر الى أدائك.

كل هذا يفرض عليك أن تراعي انتماءك جيداً في تفكيرك وتخطيطك وسلوكك وخطابك، وتتنبّه الى مظالم أبناء مكونك واستحقاقاتهم الطبيعية في المجالات المعيشية والاقتصادية والخدمية والتعليمية والقانونية والأمنية والاجتماعية والدينية. وهذا لا يعني أننا نطالبك بالتمييز بين مكون وآخر، إطلاقاً، ولكن لأن معاناة أهلك في الوسط والجنوب من الأوضاع المعيشية الصعبة والاقتصاديات المتراجعة، والبنى التحتية شبه المنهارة، تفوق ما يعانيه أهلنا في بغداد والمحافظات الغربية والشمالية، فضلاً عن تراكمات الاجحاف بحق استحقاقات الشيعة، منذ مئات السنين وحتى اللحظة، رغم أنهم يشكلون الأكثرية السكانية، لكنك ترى بوضوح غياب ثوابتهم وثقافتهم التاريخية والدينية عن مفاصل الدولة ورمزياتها التاريخية، ومناهجها الدراسية، وشعارها ونشيدها وعلمها، وتوقيتات مناسباتها الدينية والوطنية، إذ لا تزال الدولة العراقية في هذه المجالات ترزح تحت نير الثقافة الطائفية التراكمية.

وهنا تأتي قدرتك على إلغاء هذا الموروث التدميري الاستفزازي، في الأبعاد المعيشية والخدمية والثقافية. وإذا نجحت في ذلك؛ فسيُحسب لك إنجازاً تاريخياً، لأنك سترسي دعائم دولة العدالة والحكم الرشيد والاستقرار الوطني؛ إذ لا يغيب عنك أن إحساس المواطن العراقي الشيعي بعدالة الدولة تجاهه، وأنها تعمل على رفع الحيف والظلم عنه؛ سينعكس إيجاباً على خطاب الشيعة الوطني وتعاملهم مع المكونات الأخرى التي يرون انها لا تزال، منذ مئات السنين، لا تراعي تاريخهم وثقافتهم واستحقاقاتهم وخيراتهم (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

3- الشعب ينتظر منك إنجازات سريعة وملموسة على الأرض في الجوانب المعيشية والخدمية والأمنية، وبأساليب استثنائية وغير روتينية، لأن توفير فرص العمل والكهرباء والسكن والصحة والخدمات البلدية، والضمان الصحي والاجتماعي، وتحسين دخل الفرد، وتحريك السوق، وإحساس المواطن بالأمن على حياته وأسرته ومجتمعه، بعيداً عن السلاح السياسي والعشائري الذي يهدد حياته في كل لحظة، هو رهان الشعب على نجاحك، ورهان محبيك على دعمك، وبدون تحقيقها لن تنفع أية أعذار ومبررات وشعارات، ولن تنفع أية إنجازات في المجالات الأخرى، لأن العراقيين، قبل كل شيء، بحاجة الى أن يتنفسوا العيش المناسب اللائق، وهم يستحقون ذلك، في ظل بلد نفطي مليء بالخيرات.

4- تركيز الاهتمام على الجانب الثقافي والفكري والإعلامي والفني، لأن كثيراً من مشاكل العراق والدولة والحكومة تكمن في التقصير في هذه المجالات وعدم إيلائها أهميتها الحقيقية الكبرى، ومن خلالها يمكن تحجيم الانفلات الاجتماعي، وكبح جماح إعلام الفتنة وفكر التحريض وثقافة الطائفية والفن الفاسد، وهو فساد لا يقل عن الفساد الحكومي والسياسي (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

5- التعامل مع مظاهر الفساد والفشل والشلل والعوق في الدولة والحكومة، تعاملاً علمياً منهجياً، بعيداً عن الصخب الإعلامي والشعارات، واللجان العشوائية والاجراءات الأمنية، لأن هذا المظاهر بقدر ماهي عميقة ومتجذرة في مفاصل الدولة؛ فإنها بحاجة الى دقة وعمق وبصيرة نافدة وتخطيط وحزم حقيقي. ولعلك هنا تحتاج الى لجنة متخصصة للتخطيط، تتألف من خبراء ماليين واقتصاديين وقانونيين وقضائيين وإداريين، لوضع الخطط الكفيلة بمكافحة الفساد المالي والإداري، وشلل النظم والسياقات ومعوقات تنفيذ خطط الحكومة.

6- بذل كل الجهود، بالتعاون مع رؤساء الأحزاب ومجلس النواب ومجلس القضاء، من أجل تعديل الدستور وتصحيحه فنياً ومادياً وموضوعياً، وسد الثغرات التي تعيق حركة النظام السياسي. ولعل أبرز التعديلات المطلوبة على الدستور تتمثل في تحويل النظام السياسي من برلماني الى شبه رئاسي (نرفق دراسة تفصيلية في هذا المجال).

الأخ الرئيس..

لا ينتظر أحد منك تحقيق معاجز، لأنك استلمت موروثاً صعباً وبلداً منهَكاً، لكنك تستطيع العبور على الأداء البيروقراطي في عملية التغيير، نحو إجراءات استثنائية ثورية، وخاصة في المجالات الخدمية والمعيشية والبنيوية التحتية والاقتصادية، ولعل مدة سنتين كفيلة بظهور نجاحاتك النسبية في تحقيق هذه الخطوات، وفي ذلك رضى لله ورسوله وأهل بيته، ورضى للشعب العراقي، الذي سيكون بأغلبيته داعماً لك وحامياً لظهرك ومدافعاً عنك، وسيكتب اسمك في سجل خدام الشعب والوطن والدين.

أخوك/ د. علي المؤمن

1 / 11 / 2022

المزيد من المشاركات
اترك تعليقا