من المعلوم وعلى وجه الدقة، أن السيد السيستاني بصفته مرجعا دينيا عالي المقام للشيعة في العالم، ومعه مراجع الشيعة في النجف الأشرف وقم وغيرها من مراكز التقليد، يجمعون وبلا أدنى مواربة، على أن موضوع ولاية الفقيه، أمر عقيدي دائم في الفقه الشيعي كله، لكن ثمة إختلافات في تفاصيل تطبيق ولاية الفقيه، وحدود إلتزامات الأفراد تجاهها كمكلفين ورجال الدين، وكذلك في تفصيلات في حدود تطبيقها.
أن الولاية العامة كما في التعبير الفقهي، هي تفصيل لولاية الفقيه، بحدود مختلف عليها عنوانا وموضوعا، بين مختلف الفقهاء، لكن الأساس على ارض الواقع، هو أنهم متفقين على ولاية الفقيه في العنوان الأساس، وحتى في كتب السيد السيستاني مشار اليها بوضوح..
في التفصيل..يقول السيد السيستاني في معرض أجابته على سؤال (يجوز ذلك لمن له الولاية شرعاً ضمن شروط خاصة)..ويجيب ايضا على سؤال موجه اليه: ما هو تعريفكم لولاية الفقيه؟ فيكون جواب السيد السيستاني: الولاية فيما يعبّر عنها في كلمات الفقهاء (رض) بالامور الحسبية، تثبت لكل فقيه جامع لشروط التقليد، واما الولاية فيما هو اوسع منها من الامور العامة التي يتوقّف عليها نظام المجتمع الاسلامي، فلمن تثبت له من الفقهاء ولظروف إعمالها شروط اضافية ومنها ان يكون للفقيه مقبولية عامة لدى المؤمنين.
فولاية الفقيه كما هو مثبت في أدبيات السيد السيستاني هي: نيابة الفقيه ـ الجامع لشروط التقليد والمرجعيّة الدينيّة ـ عن الإمام المعصوم، في ما هو للإمام (عليه السلام) من الصلاحيات والاختيارات المفوَّضة إليه في إدارة شؤون الأمَّة، والقيام بمهامِّ الحكومة الإسلاميَّة
ولاية الفقيه؛ صلاحيَّة الفقيه، وهي ولاية بمساحة أوسع من الأمور الحسبيّة، تشمل الأمور العامَّة التي يتوقَّف عليها نظام المجتمع الإسلاميّ، وأصل ثبوت ولاية الفقيه لا كلام فيه، وإنَّما اختُلِف في سعة هذه الولاية، بين من يقول بأنَّها تختصُّ بالأمور الحسبيَّة، ومن يقول بأنَّها أوسع من ذلك.
الولاية فيما يعبّر عنها في تعابير الفقهاء بالأمور الحسبية، تثبت لكل فقيه جامع لشروط التقليد، وأما الولاية فيما هو أوسع منها، من الأمور العامة التي يتوقّف عليها نظام المجتمع الإسلامي، فهي لمن تثبت له من الفقهاء، ولظروف إعمالها شروط إضافية، ومنها: أن يكون للفقيه مقبولية عامة لدى المؤمنين.
أمّا مسؤولية كلِّ مُكلَّف، فهي العمل على طبق تقليده، حيث أنّ هذه المسألة من مسائل الفقه المعنيَّة برسم وظيفة الفقيه.
الحقيقة الثابنة في الفقه الشيعي، إن ولاية الفقيه ركن أساسي ثايت، وأن كل الفقهاء يؤمنون بولاية الفقيه، ويطبقونها عملياً؛ والإختلاف الوحيد عندهم هو في مساحتها، ومساحة تطبيقها، وهي تعني بالنتيجة، مستويات إنتظامها.
أما مساحة الاختلاف فهي في نقطة واحدة فقط، وهي المتعلقة بمساحة النظام العام؛ فمنهم من يوسعها، لتشمل موضوع الدولة والحكم، وهم القائلون بولاية الفقيه العامة أو المطلقة، ومنهم من يضيقها لتقتصر على الحسبة وحفظ النظام الاجتماعي العام، وهم القائلون بولاية الفقيه الخاصة.
حتى هذه النقطة، وفي موضع إعادة التقييم والإستخدام، في ولاية الحسبة، فمرة تتوسع دائرة الحسبة حسب الظروف والمصاديق، لتشمل كل المكلفين، أوكل المصاديق، كما هو حاصل في الواقع الإيراني..!
ثمة موضوع آخر مثير للإهتمام، وهو ما ورد في كتاب (الفوائد الفقهية طبقاً لفتاوى السيد السيستاني) ما نصه: هل أن الأحکام الولائية للولي الفقيه نافذة علی جميع مسلمي العالم؟ أم هي خاصة بمنطقة نفوذه وولايته؟ فكان جواب سماحة السيد : ولاية الفقيه فيمن تثبت له مواردها لا تتحدّد ببقعة جغرافية. (كتاب الفوائد الفقهية، ج1 ص 53).
خلاف هذا كله فإن تصوير إختلاف بين مرجعية السيستاني والأطروحة الإيرانية، تتهافت بسرعة، لأن السيد السيستاني لم يصدر موقفا واحدا ولو بالتنويه، من أي قوة شيعية، وكان ختام وضوح فكرته عن بناء الأمة، هو فتواه الشهيرة بتأسيس الحشد الشعبي، ووقوفه الواضح من حزب الله اللبناني، وما دموع ولديه الجليلين على خبر إستشهاد السيد حسن نصر الله”رض”..إلا عنوان واضح جدا لموقف السيد السيستاني من ولاية الفقيه..
هنا وفي هذا المقطع الصارخ بالمفاهيم يتضح أن السيد السيستاني، هو فقيه عام للأمة الإسلامية، وهو فقيه يمتلك من مقومات الدين والمعرفة والبناء الفقهي، كل ما يمتلكه سواه من فقهاء الأمة المعتبرين، وهو مرجع عام؛ يناوش عنان السماء قوة ومعرفة، وأقتدار فقهي متكامل.