المقدّمة :
قد لا يُفضِّلُ البعضُ استعمال تعبير « القاطرة والمقطورة »، وقد يعتقدُ البعض أنّ هذا الاستعمال يقلّلُ من شأن الشيعة في العالم الإسلاميّ ،ويعزز من مكانة الجمهورية الإسلاميّة في إيران فقط ، ولكنّ الحقيقة تتجاوز ذلك، إذ تعكس واقعاً ملموساً يتمثـّل في أنّ إيران اليوم دولةٌ تمتلكُ إمكانياتٍ هائلةٍ، أسسها الإمامُ الخمينيُّ في مختلف المجالات. ومن هنا، يتعيّن على الشيعة السعي للخروج من حالة الهامشية التي فرضتها هيمنة الأنظمة الغربية، التي استُغلّت الحكومات المحلّية لقمعهم ،
فعلى الشيعة الالتحاق بقوّة الدولة الإسلامية لتحقيق أهدافهم، وعدم منح العدوّ أيَّ فرصةٍ للتفكيك بينهم وبين الجمهورية الإسلامية. خاصةً أنّ النظام العالمي يعتمدُ على مفهوم الدولة القاطرة والدول المقطورة، وهو نموذجٌ تكامليٌّ يعود بالنفع على الطرفين؛ فلا يمكن للقاطرة تحقيق أهدافها ومصالحها دون دعم الشيعة في العالم، ولا يمكن للشيعة الاستغناء عن الدولة القائدة.
وهنا تفاصيل:
أوّلاً : القاطرة: الدولة النواة
تمثـّلُ الدولة النواة القوّة الحقيقية والقدرات السياسية والجيوسياسية، وفي سياق حديثنا، نشير إلى الجمهورية الإسلامية التي استطاعت، تحت قيادة الإمام الخمينيّ بناء دولة متكاملة تتوافر فيها جميع عناصر النهضة. ولعلّ هذا هو السبب الذي دفع الإمام الخمينيّ إلى الثورة وتأسيس الدولة الإسلامية، حيث سعى إلى تحقيقِ رؤيةٍ شاملةٍ تعزز من مكانة الأمـَّة ، وتعيد لها دورها الفاعل في الساحة العالمية.
ثانياً : الدولة الإسلامية: أوسع من الجغرافيا
تعتبر إيران، وفق رؤية الإمام الخمينيّ والإمام الخامنئي، قد حققت أدوات الدولة الأساسية، لكنـّها لم تُؤسسْ على مبدأ الجغرافيا المحددة، بل على مبدأ الدولة العميقة استراتيجياً، التي تسعى إلى نهضة الشيعة والمسلمين في جميع أنحاء العالم؛ ولأنّ الشيعة هم الأقرب عقائديـّاً وأيديولوجيّاً إلى الجمهورية الإسلامية في عموم العالم الإسلاميّ، فإنـّهم الأكثر التزاماً بها استراتيجياً ، لذا، نجد أنّ الإمام الخمينيّ والإمام الخامنئي قد أدخلا في مفهومِ الدولةِ الإسلاميةِ عناصرَ النهضة والصحوة ، حيث تُعتبرُ المقاومةُ والتحرر أدواتِ هذه النهضة، والسعي نحو التكامل بين
الشيعة في العالم الإسلامي والعربي مع الدولة الأساسية (إيران).
وهذه هي فلسفة المقاومة؛ فالمقاومة ليست مجرّد فصيل كما يُشاع، بل هي مفهومٌ أعمقُ يعبّر عن أمـَّة تسعى لاستعادة وجودها، حكومةً ومرجعيات، في سبيل تحقيق سيادتها بمختلف مظاهرها السياسية والاقتصادية والعسكرية، وفق هذا العمق الاستراتيجيّ.
ثالثاً : المقطورة: التشيع في العالم الإسلاميّ والعربيّ
على مرّ القرون، واجه الشيعة في العالمين العربي والإسلامي قوّةً صهيونية هائلة تسعى إلى سلب إرادتهم وتهميشهم. وقد أدركت المكوّنات الشيعية أنّ الولايات المتحدة تعمل على استنهاض المجتمعات الوهابية والسلفية ضدّهم، ممـّا يفرض عليهم خوض حرب قومية. في ظلِّ هذه الظروف، ومع الانسجام في الأيديولوجيا والعقيدة، أصبح من الضروري لهم الانتماء إلى قاطرة الدولة الإسلامية، التي تمثـّل نموذجاً موثوقاً للقيادة والعقيدة والسلاح والتطوّر. هذه الدولة توفّر لهم الفرصة للالتحاق بركب التقدّم والنهوض، بما يعزز من مكانتهم ، ويقوّي من عزيمتهم في مواجهة التحديات.
رابعًا – النتائج: إيجابيات التكامل بين القاطرة والمقطورة الشيعية
1.. أدرك الغرب، وكذلك بعض الدول العربية، أنّ وجود الدولة (القاطرة) المتمثـّلة في الجمهورية الإسلامية قد غيّر من واقع الشيعة في المنطقة، ودفع بهم إلى الظهور الفاعل على مسرح الأحداث. وباتت قوّة القاطرة مرتبطة بقوّة الشيعة، بينما تمثّل الدولة الإسلامية القوّة الداعمة القادرة على الردع والحماية والاستنهاض.
2.. لتحقيق نهضة القاطرة، يجب تمكين الشيعة من بناء أنفسهم سياسياً وأمنياَ، وتنظيم شؤونهم في مختلف المجالات. وهذا يُعَدُّ الهدف الأساسي للجمهورية، وهو السبب وراء تضحياتها ودعمها للمقاومة بمعناها الشامل.
3.. لكي تسير القاطرةُ والمقطورة نحو تحقيق الهدف الحضاري الأكبر، يتطلّب الأمر الوحدة والانسجام في مختلف النواحي، مع مراعاة الخصوصيات المحلّية.
4.. تسعى الولايات المتحدة إلى تفكيك العلاقة بين القاطرة والمقطورة من خلال إشعال الحروب الطائفية واستخدام شتى أدوات الضغط الاقتصاديّ. وما دعمها للكيان الصهيونيّ إلا لمنع القطار الشيعي من بلوغ هدفه النهضوي.
5.. يؤدّي التكامل بين القاطرة والمقطورة إلى بناء حضاري يعزز من مكانة القوى الشيعية في غرب آسيا، ويجعلها معززة بقوّة الدولة الأمّ، ممـّا يحقق لها الحماية ويُسدّ النقص في وجودها، بروح تكاملية في جميع المجالات، حتّى يتشكّل محورٌ شيعيٌّ موحَّدٌ في قدراته البشرية وثرواته.
6.. إنّ العراق، كدولةٍ شيعية وحيدة في العالم العربيّ، استطاع تحقيق وجود الدولة رغم التحديات العديدة، ممـّا يمكّن الشيعة من تجاوز العقبات بمساعدة الدولة الأم، ويجعل العراق جزءًا من منظومة القاطرة، مهما حاول الغرب تفكيك هذه العلاقة.
7.. مع نهضة التشيع وتحقيق أهدافه، ستتوسع قوّة الشيعة وتأثيرهم، بما سيساهم في إعادة صياغة العالم الإسلامي والنظام الدولي وفق نهضة حضارية، وبالتالي لن يبقى الشيعة عرضة لتلاعب الدول الطائفية والاستكبار العالمي. لكن تحقيق ذلك يتطلب تكاليف وتضحيات كبيرة من كلا الجانبين، القاطرة والمقطورة.
8.. أدت معركة « طوفان الأقصى» إلى تسريع وتيرة تقدّم القطار الشيعي نحو تحقيق أهدافه بدقـّة، حيث تدرك إيران أنّ قوّتها تكمن في تحويل المقطورات إلى قاطرات شيعية ناهضة، تسعى لتحقيق الحضارة الإسلامية. فالقوة الحقيقية لإيران تتجلّى في تمكين الشيعة من أنْ يكونوا وجوداً ودولة كبيرة ذات عمق وإرادة وسيادة. وعندها، سيتحقق الحلم الأكبر بظهور الإمام المهدي (عجّل الله فرجه) ليكون قائد النظام الدولي وبسط نفوذ الشيعة في العالم.
9.. يعتمد النظام الدولي على الدول المتحدة، حيث تتجمع أوروبا تحت القيادة الأمريكية، بينما تحاول آسيا حماية نفسها عبر الصين من خلال منظومة «شنغهاي» ؛ لذا، لا يكون أمام الشيعة سوى الانضمام إلى اتحاد شيعيٍّ موحَّد.